حدث أمني "صعب" شمال غزة.. قتلى واصابات بصفوف الجيش الإسرائيلي
"مرونة" حزب الله بلا استجابة... وشبح "عودة الحرب" يطلّ برأسه
بين حدّي تسليم السلاح والاحتفاظ به، تبدو خيارات حزب الله محدودة للغاية، مكلفة للغاية، صعبة للغاية... لن يبقى الحزب كما كان عليه، إن هو تخلّى عن سلاحه... لن يبقى للحزب دوره الذي نشأ من أجله: الحماية، الردع والتحرير، إن فعل ذلك، وسيتعيّن عليه، البحث عن صيغة جديدة لوجوده واستمراره، وأدوات جديدة لعمله وفعله، ونطاق محلي أضيق لمجال هذا الدور وحدوده.
لكنّ الحزب، وهو يُجري مراجعاته، ويتحضّر لاتخاذ أخطر القرارات في حياته، يدرك أنّ البدائل الأخرى، لن تكون سهلة أبداً، وقد تنطوي على مفاجآت ليست في الحسبان، تكون معها "مغامرة الإسناد" كما يصفها البعض من خصوم الحزب، وحتى بعض أصدقائه، نزهة قصيرة.
يدرك الحزب تمام الإدراك، أنّ البيئة الاستراتيجية، إقليمياً ودولياً، والأهم إسرائيلياً، من حوله، لم تبقَ على حالها... لا خطوط إمداد وإسناد ممتدة من قزوين لشرق المتوسط، لا محطة ترانزيت للمال والسلاح في سوريا أو عبرها، إيران السند الرئيس، تلملم جراحها وخياراتها، غزة غارقة في بحر التطويق والإبادة والتطهير، حلفاؤه في العراق، بين فكّي كماشة فولاذية، من الداخل والخارج.
والحزب يدرك كذلك، أنه مقابل انقسامات عمودية وأفقية عميقة، تثيرها الحرب في غزة وعليها، داخل المجتمع الإسرائيلي، فإنّ ثمة ما يشبه الإجماع، حكومة ومعارضة، مستوى سياسياً وعسكرياً، على إطلاق الحرب على لبنان، وربما استئنافها إن اقتضت الضرورة... الحرب على لبنان، كما على إيران، توحّد الإسرائيليين ولا تفرّقهم، وتعزّز مكانة نتنياهو بدل أن تبدّدها، كما في غزة.
والحزب يدرك أيضاً وأيضاً، أنّ أصدقاء لبنان "الكثر" ليسوا بالضرورة أصدقاء له، معظم هؤلاء خصوم للحزب، ويتمنّون خروجه عن مسرحَي المقاومة والسياسة كذلك، وأنّ درجة التقارب العربي – الأميركي، واستتباعاً، الإسرائيلي، في لبنان، أعلى بكثير من نظيرتها في غزة... سنرى في أيّ مواجهة مقبلة، ما كنّا شهدناه في 2006، حين مُنحت "شهادات البراءة" للمعتدي مجاناً وبالجملة، بذريعة أنّ الحزب هو من وفّر "الذرائع" لعدو طامع متربّص... البيئة الإقليمية، ليست مواتية للحزب، إن هو سعى في استنقاذ سلاحه ودوره.
على أنّ أبرز، وربما أخطر، ما شهدته البيئة الإقليمية المحيطة، من تطوّرات جذرية، ما حدث في سوريا في الثامن من كانون الأول/ديسمبر... لم تخرج دمشق من "المحور" فحسب، بل انتقلت إلى "المحور الآخر" جملة وتفصيلاً، وتلكم ليست "جزئية" يمكن المرور من فوقها أو من جنبها مرور الكرام، ذلكم تطوّر ينذر بفتح جبهات على الحزب، متزامنة أو متعاقبة، أثناء العدوان المتجدّد أو بعده، تماماً مثلما حدث من قبل، حين جاء التغيير في سوريا بعد أحد عشر يوماً فقط، من وقف النار بين الحزب و"إسرائيل"، والأنباء المتواترة من شمال الحدود مع سوريا وشرقها، لا تحمل معها بشائر مفرحة للحزب على أية حال.
والتطوّرات السورية المتلاحقة منذ سقوط نظام الأسد حتى اليوم، لم تبقَ، ولن تبقى، محصورة في النطاق الجغرافي لسوريا، بل تنتقل على نحو متسارع نحو الداخل اللبناني... ثمّة استقواء مذهبي غير خافٍ على أحد بالعامل السوري المُستجدّ، ولقد رأينا ذلك في تبدّل موازين القوى داخل الطائفة السنيّة لصالح مدارس أقرب للسلفية من جهة على حساب سنيّة سياسية "عاقلة" مثّلتها إلى درجة كبيرة، "الحريرية السياسية"، التي تنكفئ عن المشهد، إلى درجة يكاد معها أن يفرغ "بيت الوسط" من ساكنيه... ونرى ارتفاعاً في نبرة السياسة داخل "الإفتاء" بعد الزيارة التاريخية لدمشق، وتعالي لغة الاستقواء في التصريحات الصادرة عن مرجعيات سياسية ودينية، تُعبّر في مجملها عن "الأمل" بانقلاب الموازين، وتبدّل توازنات القوى وديناميّاتها... أحاديث "التلزيم"، تلزيم لبنان لسوريا، ليست مجرّد "فانتازيا" يطلقها "المُتطيّرون" من كلا المعسكرين فحسب، بل هي انعكاس لمزاج يكاد يكون مهيمناً في عواصم إقليمية ودولية نافذة، تجد لنفسها ولحساباتها، مصلحة في ذلك.
دمشق الجديدة، ليست بحاجة لمن "يحرّضها" ضد الحزب أو يستنفرها عليه... هي من يحرّض الآخرين، وهي صاحبة الحقوق الفكرية لمقولة "العدو المشترك"، الذي يجمع صفاً من العرب والغربيين والإسرائيليين في بوتقة واحدة، حتى وإن تعدّدت مساراتهم وتنوّعت أدواتهم، وسار المتحالفون منفردين، فإنّ سهامهم وضرباتهم ستظلّ موجّهة صوب الهدف ذاته... هذه واحدة من معطيات "الإقليم الجديد"، رغب بعضنا بذلك أم كره.
وليس التعويل على "يقظة" العامل المسيحي في لبنان، بالرهان الصائب، فالبعض ممن أعمتهم عداوتهم الشديدة للحزب ومرجعيّاته، قد يفكّرون بالرهان على "سلفية منضبطة" بمرجعيات تركية وسعودية وقطرية، وربما برعاية أميركية... فريق فقط من المسيحيين، لا ندري حجمه ونفوذه حتى الآن، قد يفكّر بخلاف ذلك، وربما تكون حادثة تفجير كنيسة "مار الياس"، باعثاً على قلق البعض من هذا المكوّن، بيد أنه من المرجّح، أنها لن تكون سبباً في تغيّر المواقف وتبديل الأولويات والتحالفات، فالرهانات على قوى إقليمية ودولية عند هؤلاء، أكبر بكثير، من المخاوف الناجمة عن تداعيات الحالة السورية.
مرونة بلا استجابة
أبدى حزب الله مرونة عالية في التجاوب مع استحقاقات مرحلة ما بعد 27 تشرين الثاني/ نوفمبر، الجنوب يكاد يكون خلوّاً من السلاح والمقاتلين، بشهادة الرئاسات الثلاث واليونيفيل ومصادر استخبارية أميركية-أوروبية-إسرائيلية... لكنّ الحزب لن يكافأ على ما فعل، بل يبدو مطالباً بالمزيد، والمزيد هنا، يعني شيئاً واحداً: تعميم تجربة جنوب الليطاني على عموم الأراضي اللبنانية، تحت شعار "حصرية السلاح وقرار الحرب والسلم".
لم تجد مرونة الحزب، استجابة مماثلة من السلطات اللبنانية... لا مائدة حوار التأمت للبحث في "استراتيجية دفاعية"، ولا تقبّل لفكرة احتفاظ لبنان بعناصر القوة المتبقّية لديه، ومن بينها "سلاح المقاومة"... والأهمّ من كلّ هذا وذاك، لا ضمانات ولا تفصيلات، حول كلّ ما يخصّ "مرحلة ما بعد السلاح"، إن افترضنا أنّ الحزب قد قرّر اجتياز عتباتها... لا شيء من هذه سوى تصريحات ناعمة ووعود برّاقة، لا تساوي الحبر الذي كتبت فيه.
من سيحمي الحزب، قادته وكوادره ومقاوميه، من يوقف الاستباحة الإسرائيلية ويبطل مفاعيل "الضوء الأخضر" الأحمر الأميركي للمضي بها، من يضمن أنّ استهداف الحزب وبيئته سيتوقّف بعد تسليم سلاحه، ماذا عن منظومة العقوبات التي تلاحقه ومؤسساته المالية والخدمية والاجتماعية والتربوية.... من سيكفل إعادة الإعمار والتعويض عن المدمّرة بيوتهم... من يضمن ترجمة وعود الرخاء والازدهار للبنان (وليس للحزب) و"المستقبل المشرق" الذي وعد به دونالد ترامب... من سيحمي لبنان من "تغوّل" قوى متطرّفة، تناصب أزيد من نصف سكانه ومكوّناته، عداءً أيديولوجياً "صفرياً"، تكشّفت بعض فصوله في سوريا (الساحل، الكنيسة، والسويداء وجرمانا)، وقد تأخذ في لبنان، أشكالاً أكثر دموية وخطورة؟
أسئلة وتساؤلات، يحاذر الثرثارون الإجابة عنها، حتى لا يعطوا الحزب مبرّراً واحداً، لا للحديث عن "سلاحه" فحسب، بل وللمطالبة بـ "استراتيجية دفاع وطني"، تحدّد التهديدات والمخاطر، وتقرّر سبل التصدّي لها وإحباطها... لا شيء آخر يحتلّ "عصب التفكير وبؤرته" عند هؤلاء، سوى "السلاح"، لكأنّ أنهار لبنان التي تعاني جفافاً وتلوّثاً غير مسبوقين، ستتدفّق لبناً وعسلاً" ما أن يُودِع الحزب سلاحه في مستودعات الجيش اللبناني.
كنّا أشدنا بنافذة الفرص التي وفّرتها "القناة الخلفية المفتوحة" بين الحزب والرئاسة الأولى، لكن تبدو هذه القناة مهدّدة بدورها نتيجة لتعاظم ضغوط الداخل وابتزاز الخارج... والمؤسف حقاً، أنّ بعضاً ممن كانوا محتسبين على معسكر "التقدّم"، لم يعودوا يتورّعون عن التلويح بـ "بهراوة أفخاي أدرعي"، لكأنه وحكومته، بات فريقاً منضوياً في اصطفافاتهم الداخلية... المشهد اللبناني، يزداد تعقيداً، وتزداد معه صعوبة الخيارات المتبقّية أمام الحزب.
في بحثه عن خياراته وبدائله، يتعيّن على الحزب أن يضع في حسبانه، أنّ سيناريو معاودة الحرب، بصورة أعمق وأقسى وأعنف، لم يُسحب من التداول، بل يبدو مرجّحاً، حال جاء الردّ اللبناني على ورقة توم باراك غير متناسب مع الرغبة الأميركية (التي تخفي معظم ما تجيش به صدور الإسرائيليين)... يعني ذلك من ضمن ما يعني، أنّ تكتيك "التصعيد المتدرّج" وإرسال "الرسائل" لم يعد صائباً اليوم مثلما كان من قبل... إن لم يكن الحزب قادراً على استعادة ميزان الردع، وتحويل الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى جحيم لا يطاق، فلا أظنّ أنّ نتائج الجولة المقبلة ستكون في صالحه.
نتنياهو، والأخصّ ترامب، سيكونان معنيين بحرب قصيرة هذه المرة، تستحدث انقلاباً في المشهد والموازين، لديهما ما يستعدّان لخوض غماره، داخلياً وعلى ساحتي الإقليم والعالم... لا "سيناريو حرب السنتين" في غزة، قابل لإعادة الإنتاج، ولا سيناريو "الإسناد" مرشح للعودة من جديد... أخال الحرب المقبلة، سلسلة غير منقطعة من الطلعات الجوية والضربات الصاروخية المكثّفة، التي تستهدف الحزب في بيئته وأصوله العسكرية والاستراتيجية، مدعومة بغطاء محلي وعربي ودولي، ودائماً بحجة أننا نصحنا الحزب، والحزب لم ينتصح.
لا يمكن إسقاط هذا سيناريو "العودة للحرب" من حسابات الحزب، برغم ارتفاع كلفه، وبرغم التطوّرات غير المواتية التي مرّ بها في لبنان، ومرّ بها داعموه في الإقليم... بيد أنه سيكون أقرب إلى "خيار شمشون"، منه إلى خيار "صفقة بشروط مواتية" بنظر المراقبين، وإن كان الجواب بالطبع، سيظلّ متروكاً للحزب، فهو الأعلم بما لديه، وما بمقدوره فعله أو عدم فعله.
لا أحد يكترث بمرافعات الحزب حول الانتهاكات الإسرائيلية (أكثر من 4000 انتهاك)، ولا بجدية التزامه بمندرجات وقف النار جنوب الليطاني... لا أحد يكترث باتفاقات مبرمة ولا بقانون دولي، ولا بفكرة الحقّ والأخلاق، فقد أسقطت حروب العامين الفائتين "قوة المنطق" وأعلت من شأن "منطق القوة"... نزع سلاح الحزب، وتجريده من ورقة إعادة الإعمار والمضي في خنقه مالياً واقتصادياً، كانت في صلب أهداف الحرب، وما زالت في صلب أهداف الدبلوماسية، وإن لم تتحقّق، فليس من الحكمة استبعاد سيناريو عودة الحرب مجدّداً، ولا عزاء للبكّائين على ضياع "موسم الصيف والاصطياف".
عريب الرنتاوي - الميادين
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|