عربي ودولي

"ماغا" بعد حرب إيران.. الخلاف مع ترامب يهدد مستقبل الحركة الشعبوية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

اعتُبر موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المؤيد للخيار العسكري ضد إيران، مفاجئاً بعد أن ساد اعتقاد مفاده أن ترامب سيتجنب، وبأي ثمن ممكن، الانخراط في حرب أخرى في الشرق الأوسط.

لم يكن تخلي ترامب عن تعهداته السابقة بالتفصيل الوحيد المثير للاهتمام. فالمعارضة الأشد التي واجهها ترامب عند إثارته احتمال توجيه ضربة عسكرية لإيران لم تأتِ من صفوف الحزب الديمقراطي، أو من بعض دوائر الحزب الجمهوري المتباينة منذ فترة طويلة مع سياسة ترامب الخارجية، بل جاءت من القاعدة الشعبية الأقرب لترامب – من حركة "ماغا" (Make America Great Again). 

ولم تكتفِ بعض الشخصيات الأكثر شعبية لـحركة "جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (ماغا) بانتقاد اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران، بل شنت حملة انتقادات غير مسبوقة لإسرائيل، ولدوائر اللوبي الأمريكية الداعمة لها.

هذه المواقف قوبلت بانتقادات من التيار الجمهوري التقليدي. إلا أن التباين في وجهات النظر حول إيران لم يكن الأول بين ترامب وحركة "ماغا"، ويُرجّح أنه لن يكون الأخير. تفاقم الخلافات بين "ماغا" والتيارات الجمهورية الأخرى تثير التساؤل عما إذا كانت "ماغا" مرشحة لأن تواجه مصير ما سبقها من الحركات اليمينية الشعبوية في الولايات المتحدة. 

"ماغا".. تيار جديد بجذور قديمة
حركة "ماغا" تمثل تياراً يمينياً شعبوياً معادياً للعولمة بوصفها تكبد الولايات المتحدة نفقات باهظة، وتحرم الاقتصاد الأمريكي من فرص مهمة. تحمل الحركة خطاباً حمائياً، خصوصاً في المجال الاقتصادي.

وتنبع أهداف الحركة من السعي لتخفيض الضرائب المفروضة على الأمريكيين. وفي سبيل تحقيق ذلك تطالب الحركة بتخفيض أعباء السياسة الخارجية، خصوصاً عبر تجنب الحروب، وتخفيض الإنفاق الحكومي في الداخل، مع تبني خطاب معادٍ للمهاجرين والأجانب باعتبارهم من أسباب ارتفاع الإنفاق الحكومي، ومنافسة الأمريكيين على فرص العمل. 

وتحارب الحركة أيضاً الأفكار التقدمية المتطرفة - مثل تغيير الهوية الجنسية للأطفال – والتي انتشرت خلال العقد الماضي في الولايات المتحدة. إلا أن هذه الحركة ليست الأولى من نوعها في الولايات المتحدة؛ فقد سبقها "حزب الشاي" (Tea Party) الذي ظهر في 2009، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، وخبا نجمه تدريجياً ليختفي من التداول في 2015.

ولم يكن "حزب الشاي" حزباً بالمعنى التقليدي، بل كان تياراً في قواعد الحزب الجمهوري. يشير اسمه للحركة الاحتجاجية التي قام بها الثوار الأمريكيون في 1773 ضد سفن الشاي البريطانية في ميناء بوسطن؛ وذلك احتجاجاً على الضرائب الباهظة التي كانت الإمبراطورية البريطانية تجنيها منهم. 

وبين حادثة ميناء بوسطن في 1773 وحركة "ماغا" الحالية ظهرت عدة تيارات سياسية تطالب بتخفيف الأعباء الضريبية وتقليص دور الحكومة الفيدرالية. تعددت هذه الحركات خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية مع تولي الولايات المتحدة دور حامي النظام العالمي.

ومن أشهر هذه الحركات "جمعية جون بيرش" التي أسسها رجل الأعمال روبرت ويلش في 1958، والتي تعد أول من زرع فكرة وجود "دولة عميقة" تتحكم في كل شيء في الولايات المتحدة.

يمكن الإشارة أيضاً إلى الحملات الدعائية التي أطلقها السياسي الجمهوري باتريك بوكانان خلال مسعاه للفوز بترشيح الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية في 1992 و1996.

بوكانان أعلن في 1992 إطلاق "حرب ثقافية" لاستعادة "روح الولايات المتحدة"، وذلك عبر محاربة الهجرة والإجهاض والمثلية الجنسية والعولمة الثقافية. أفكار هذه الحركات المختلفة نجدها اليوم بوضوح لدى حركة "ماغا"، بما في ذلك الاعتقاد بوجود دولة عميقة وضرورة محاربة الإجهاض والمثلية الجنسية.

ولكن على عكس الحركات السابقة، تمكنت "ماغا" من الوصول إلى البيت الأبيض عبر دونالد ترامب، وباتت معروفةً حول العالم، وقادرةً على تعزيز زخم الحركات اليمينية الشعبوية في العديد من الدول الغربية. 

الشعبية الكبيرة لدونالد ترامب كان لها الدور الأهم في تمييز "ماغا" عما سبقها من الحركات الشعبوية السابقة. فترامب كان معروفاً على المستوى العالمي حتى قبل ترشحه للرئاسة بأكثر من عقد من الزمن.

وسمحت شعبية ترامب والكاريزما الشخصية التي يمتلكها له بجذب شرائح واسعة من الحزب الجمهوري ليتحول إلى مرشح الحزب، ورمزه الأهم دون منافسة منذ 2016؛ وذلك بالرغم من أن الأعضاء المنتسبين بشكل صريح إلى "ماغا" لا يزالون أقلية بين قادة الحزب الجمهوري، ولاسيما في مجلسي الكونغرس.

ومن التفاصيل اللافتة أن الكثيرين ممن يقدمون أنفسهم اليوم كقادة أو رموز لتيار "ماغا" كانوا منذ عدة سنوات من أشد منتقدي ترامب. والأمثلة تشمل جي دي فانس، نائب الرئيس حالياً، وتولسي غابارد مديرة مكتب الاستخبارات القومية حالياً، والإعلامي الشهير تاكر كارلسون. 

تجربة "جمعية جون بيرش" وتيار "باتريك بوكانان" وغيرها تظهر أن التيارات اليمينية الشعبوية تفقد زخمها عندما تبالغ في خطابها المؤامراتي والمعادي للمؤسسات.

كما أن تراجع الشعبية الشخصية لزعيم التيار هي من أهم أسباب اضمحلال التيار. وعند فقدان الزعيم لشعبيته، ستحتفظ الأفكار الشعبوية بجذورها، إلا أن التيار نفسه يتحول إلى كيان لا مركزي.

لم تتراجع شعبية ترامب بشكل كبير حتى الآن. إلا أن الخلافات والتباينات بدأت تظهر بينه وبين تيار "ماغا". كما تعرض ترامب لانتقادات ضمنية حادة من بعض أهم الرموز الإعلامية والشعبية للتيار. هذه التطورات تثير التساؤل عما إذا كان ترامب و"ماغا" قادرين على تجاوز الخلافات، أو ما إذا كان كل منهما يعتقد أنه قادر على البقاء من دون الآخر. 

تيار "ماغا" يصطدم مع ترامب
التزم أغلب أركان إدارة ترامب الصمت أو الحياد عندما بدأ ترامب التلميح للخيار العسكري ضد إيران، وذلك على الأرجح لاعتقادهم أن ترامب لن يمضي إلى الحرب فعلاً، خصوصاً أن بعض رموز تيار "ماغا" كانوا أطلقوا مواقف معادية بحدة لأي استخدام للقوة العسكرية ضد إيران، وصولاً لحد التهويل من عواقب الحرب مع إيران.

وفي 17 مارس/آذار، قال الإعلامي الشهير تاكر كارلسون، المقرب من ترامب، إن أي استهداف للمواقع النووية الإيرانية سيقود لمقتل ألوف الأمريكيين في الشرق الأوسط، وسيكلف الولايات المتحدة عشرات مليارات الدولارات، فضلاً عما وصفه بالتكلفة المستقبلية للعمليات الإرهابية على الأراضي الأمريكية.

واعتبر كارلسون أيضاً أن أي هجوم على المواقع الإيرانية (في إشارة ضمنية لإسرائيل) سيطلق حرباً، وستصبح هذه الحرب حرب الولايات المتحدة.

وتابع كارلسون إطلاق المواقف الرافضة للحرب مع إيران، وركز هجومه في الأسابيع الأخيرة على إسرائيل وعلى دورها في توجيه السياسة الخارجية الأمريكية. ففي 18 يونيو/حزيران، وخلال استضافته السيناتور الجمهوري الصقوري تيد كروز، هاجم كارلسون إسرائيل و"لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية" (أيباك) التي تعد أقوى منظمة لوبي تدعم العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية. 

واعتبر مات والش، وهو ناشط بارز من تيار "ماغا" على وسائل التواصل الاجتماعي، يتابعه قرابة 4 ملايين على منصة (X)، في 12 يونيو/حزيران أن إيران لا تشكل أي تهديد جدي بالنسبة للولايات المتحدة، وأنه لا حاجة للولايات المتحدة للدخول في حرب أخرى في الشرق الأوسط.

وفي 13 يونيو/حزيران، اعتبر والش أن إسرائيل تستطيع الدفاع عن نفسها، وأن الولايات المتحدة لا تحتاج للانخراط فيما يحصل حالياً، بل يجب أن تركز على المخاطر المختلفة التي يعانيها الداخل الأميركي، من جرائم وتدفق للمهاجرين غير الشرعيين.

أما الموقف الأقوى حتى الآن فجاء من ستيف بانون، كبير مستشاري ترامب في ولايته الأولى، والذي يعد المهندس الحقيقي لكثير من شعارات ترامب الشعبوية خلال حملته الانتخابية في 2016.

ففي 18 يونيو/حزيران، قال بانون إن انضمام الولايات المتحدة لحرب جديدة في الشرق الأوسط سيقود لتمزق الولايات المتحدة. وأكد بانون أن المعلومات الاستخبارية لا تشير لاقتراب إيران من صناعة سلاح نووي.

وفي 25 يونيو/حزيران، قال بانون إن نهاية الحرب مع إيران هي شيء جيد للولايات المتحدة وسيئ لإسرائيل التي قال إنها ليست حليفةً للولايات المتحدة.

هذه المواقف قوبلت بانتقادات من الجمهوريين التقليديين المؤيدين لاستخدام الخيار العسكري مع إيران، مثل السيناتور تيد كروز والسيناتور ليندسي غراهام.

ولم يكتفِ بعض الناقدين بتوضيح الأسباب التي تجعل هذه الحرب ضرورية، بل استخدم النقاش حول إيران لتحجيم تيار "ماغا".

قال ضابط السي آي إيه السابق والباحث الحالي في معهد "هدسون" اليميني المحافظ، مايكل بريجنت، في 13 يونيو/حزيران، إن إسرائيل حليف للولايات المتحدة والنظام الإيراني عدو عنيد وعلى رموز تيار "ماغا" – الذين ذكر منهم بريجنت كل من كارلسون ووالش – أن يكتفوا بمتابعة الحرب الثقافية ضد الديمقراطيين، وألا يتدخلوا في السياسة الخارجية التي تتجاوز مستوى فهمهم. 

أسهمت النهاية السريعة للحرب مع إيران بتخفيف حدة الجدل في صفوف الحزب الجمهوري. إلا أن التباينات لا تزال مستمرة، ولكن من دون أن تجذب اهتمام الجمهور خارج الولايات المتحدة.

 تتعلق الخلافات الآن في الحقيقة بملفات أكثر خطورة من المواجهة مع إيران وهي الموازنة الفيدرالية للعام 2026؛ فهناك حفنة من الأعضاء في الكونغرس من تيار "ماغا" ممن يعارضون بشدة مقترح الموازنة التي قدمها ترامب، وذلك لأنها تزيد من إجمالي الإنفاق ومن حجم الدين العام، وذلك بشكل يتناقض مع كل الخطاب الاقتصادي لتيار "ماغا".

بحسب التقديرات، فإن هذا الملف أكثر خطورة بالنسبة لإدارة ترامب وتيار "ماغا" من ملف الحرب مع إيران، وذلك لأن ترامب تجنب انتقاد "ماغا" علناً حول إيران، إلا أنه انتقد علناً أعضاء "ماغا" في الكونغرس ممن يعارضون خططه المالية.

ففي 22 يونيو/حزيران، قال ترامب إن على تيار "ماغا" طرد النائب الجمهوري توماس ماسي من صفوفه لكونه ضعيفاً ويصوت برفض كل شيء يقدم له، وذلك في إشارة لمقترح الموازنة.

وفي اليوم نفسه كشف موقع "أكسيوس" أن ترامب أطلق لجنة انتخابية لولاية كنتاكي لمنع ماسي من الترشح باسم الحزب الجمهوري في انتخابات 2026.

وبحسب الموقع يستفيد ترامب من القدرات المالية للجنته الانتخابية المقدرة بحوالي 500 مليون دولار والتي تمنحه القدرة على التأثير على عمليات التصويت الداخلية للحزب الجمهوري لإقصاء المنافسين. التبرعات المالية والقدرة على حشد هذه التبرعات هي أهم تفاصيل المشهد السياسي الأمريكي. 

يعود نجاح ترامب فيما فشل فيه أسلافه الشعبويون تحديداً لقدرته على حشد تبرعات مالية هائلة. وقسم مهم من هذه التبرعات قادم من رجال أعمال يمتلكون توجهات تقليدية في السياسة الخارجية، خصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل وإيران.

فخلال حملته الانتخابية الرئاسية في 2024، كانت ميريام أدلسون أكبر المتبرعين لحملة ترامب بحوالي 100 مليون دولار. أدلسون هي أكبر داعمي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خصوصاً عبر صحيفتها "إسرائيل هايوم".يُ

يُشار إلى أن صحيفة "هاآرتس" الإسرائيلية نشرت في 22 يونيو/حزيران تحقيقاً حول رجال الأعمال الأميركيين الذين يدعمون الآلة الانتخابية لترامب والذين عملوا على إقناعه باستخدام الخيار العسكري ضد إيران.

وذكرت الصحيفة الإسرائيلية اسم ميريام أدلسون بالإضافة لكل من الملياردير روبرت موردوخ، بارون الإعلام الأمريكي ومالك قناة "فوكس نيوز" المفضلة لترامب، والملياردير إسحاق بيرلموتر، المدير التنفيذي السابق لشركة "مارفل".

وقالت الصحيفة إن موردوخ استخدم أدواته الإعلامية لإقناع القاعدة الشعبية للحزب الجمهوري بضرورة الخيار العسكري مع إيران، بينما رتب بيرلموتر لاجتماعات بين ترامب وإعلاميين مؤثرين، أبرزهم مارك ليفين، ممن يروجون للخيار العسكري ضد إيران. 

لم تنتهِ أزمة الملف النووي الإيراني بعد. والأهم من ذلك أن الجدل لم ينتهِ في الولايات المتحدة حول الخطط المالية والاقتصادية. ولا يبدو أن هناك إمكانية لتقريب وجهات النظر حول هذين الملفين بين ترامب ورموز حركة "ماغا". 

من المنتظر أن تُقرر الانتخابات النصفية في 2026، مصير النصف الثاني من ولاية ترامب الذي يسعى للهيمنة على مشهد الانتخابات الرئاسية في 2028، إن لم يكن عبر إيجاد طريقة للترشح مرة ثالثة فعلى الأقل عبر التحول لصانع ملوك يختار الرئيس المقبل للولايات المتحدة.

وعلى الطريق إلى هذين الاستحقاقين، في 2026 و2028، تلعب التبرعات المالية الدور الأكبر في صناعة المشهد السياسي الأمريكي.

تيار "ماغا" صعد خلال السنوات الماضية بفضل ترامب الذي يدرك أهمية التبرعات المالية لكبار رجال الأعمال الداعمين لأجندته المالية والاقتصادية والذين يصادف أن الكثير منهم داعمون أيضاً لإسرائيل. فهل يستطيع تيار "ماغا" تحمل عواقب متابعة الصدام مع كل هؤلاء إذا ما استمر بمعارضة الخيارات القاسية ضد إيران؟

تيار "ماغا" كان استثناءً من المصير الذي لقيته باقي التيارات الشعبوية في الولايات المتحدة. بعض تلك التيارات فقد زخمه بسبب تراجع شعبية قادته، وتحول إلى كيان لا مركزي ينتظر زعيماً جديداً يوحده من جديد. ويمكن أن يصبح تيار "ماغا" استثناءً آخر ولكن هذه المرة عبر احتفاظ زعيمه بالشعبية فيما تضمحل وجوه وقيادات هذا التيار.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا