ودائع الدولار تحت مبدأ المساواة: مصرف لبنان يضرب بيد العدالة
في ظل الأزمة المالية المستمرة التي تعصف بالقطاع المصرفي اللبناني منذ خريف 2019، أصدر حاكم مصرف لبنان، الدكتور كريم سعيد، التعميم رقم 169 والقرار الأساسي رقم 13229، والذي يهدف إلى تأمين المساواة في التسديد للودائع المصرفية بالعملات الأجنبية، واضعًا بذلك حدًا للممارسات الانتقائية التي لطالما ميّزت بين مودعين دون غيرهم.
منذ بداية الأزمة، عانى المودعون سواء المقيمون في لبنان أو المغتربون من قيود شديدة على سحب أموالهم بالدولار الأميركي، بينما استطاع بعضهم، من خلال الوساطات أو التدخلات القضائية الأجنبية، تحصيل أموالهم بالكامل، ما خلق حالة تمييز صارخة بين من يملك النفوذ والقدرة القانونية، ومن لا يملك سوى الانتظار.
وقد أسهم هذا الواقع في ضرب مبدأ العدالة المالية وتآكل الثقة في النظام المصرفي ككل، خاصة مع غياب أي إطار تشريعي موحد ينظّم عمليات السحب أو التحويل بشكل عادل للجميع.
مضمون التعميم: نحو ضبط الفوضى وحماية المساواة
ينص القرار الأساسي 13229 على أن الممارسات الانتقائية من قبل بعض المصارف في تسديد الودائع بالدولار تشكّل خرقاً فاضحاً لمبادئ العدالة والتناسب المالي، وأنه لا يجوز الاستمرار في معاملة فئة من المودعين بشكل تفضيلي على حساب الآخرين. ويلزم التعميم كافة المصارف العاملة في لبنان بالامتناع عن تسديد أي مبالغ من الودائع بالعملات الأجنبية المودعة قبل تاريخ معين، سواء نقدًا أو عبر تحويل خارجي، وذلك إلى حين التوصل إلى حل مالي شامل ومنصف.
منير راشد: القرار يؤسّس لعدالة مالية طال انتظارها
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور منير راشد، رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية، لـ “هنا لبنان” دعمه الكامل لهذا القرار، مشيراً إلى أنه “خطوة طال انتظارها لضبط الفوضى التي طغت على التعامل مع المودعين.”
ويقول راشد: “لقد شهدنا طيلة السنوات الماضية نمطاً من الفوضى القانونية والمالية، حيث تمكن بعض المودعين من أصحاب النفوذ أو من المقيمين في الخارج من استرجاع أموالهم كاملة، فيما بقيت الغالبية عاجزة عن سحب الحد الأدنى من حقوقها. هذا القرار يعيد التوازن إلى المشهد، ويمنع استمرار التمييز غير العادل.”
ويشير إلى أن “التعميم يكرّس مبدأ المساواة كمبدأ دستوري واقتصادي أساسي، مضيفًا، لا يمكن لأي خطة تعافٍ أن تنجح ما لم ترتكز إلى العدالة بين المودعين، ولا يجوز أن يكافأ من لجأ إلى أساليب ملتوية أو ضغوطات قانونية خارجية، بينما يعاقب الملتزمون.”
كما يؤكد راشد أن “هذا القرار لا يلغي حقوق المودعين، بل يحفظها ضمن إطار منضبط وشفاف إلى حين تبلور الحل الشامل بالتعاون بين الدولة، مصرف لبنان، والقطاع المصرفي”.
ويختم قائلاً: “نعم، القرار قد يبدو قاسياً في الظاهر، لكنه في الواقع يعيد تصويب البوصلة باتجاه عدالة اقتصادية حقيقية. نحن بحاجة إلى سياسات نقدية مسؤولة، لا إلى مزيد من الاستثناءات التي تهدد ما تبقى من بنية النظام المصرفي.”
وفي المحصلة، يعد القرار الأساسي رقم 13229 خطوة بنيوية نحو تصحيح مسار التعامل مع ودائع اللبنانيين، حيث يعيد الاعتبار للعدالة والمساواة، ويضع حداً للممارسات الفردية التي قوّضت الثقة بالنظام المالي. ورغم ما قد يثيره من جدل، إلا أنه يعكس توجهاً واضحاً نحو الإصلاح، ويشكّل أرضية ضرورية لأي خطة تعافٍ قابلة للتطبيق.
ناديا الحلاق -”هنا لبنان”
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|