منذ 18 سنة.. هكذا غيّر جهاز صغير العالم ولا يزال
لم يكن في المشهد دخان حرب، ولا انفجار قنبلة، ولا توقيع معاهدة كبرى. كل ما في الأمر ان رجلا كان يرتدي قميصًا أسود وبنطال جينز، ويحمل في يده مستطيلاً صغيرًا من الزجاج والمعدن، اعلن للعالم، دون صراخ ولا مدافع، أن كل شيء سيتغيّر.
ما بين حزيران وتموز 2007، تاريخ استثنائي، لا يتكرر بسهولة، يحمل في جوهره لحظة انقلاب هادئ على الطريقة التي يفكّر بها الإنسان، ويتواصل، ويتسوّق، ويحبّ، ويحارب. قبل 18 عامًا، أُطلق هاتف "الآيفون" إلى الأسواق، فدخلنا معه إلى عالم لا عودة منه.
لم يكن "الآيفون" مجرد هاتف. بل كان إعلانًا عن بداية عهد جديد، استغرق تصنيعه سنوات، لكن مفعوله امتد ليعيد رسم خارطة التكنولوجيا، والاقتصاد، والحياة اليومية. شاشة تُستجاب باللمس، واجهات تتبدّل بتمرير الإصبع، صور تُحفظ وتُرسل وتُعرض بوضوح غير مسبوق. لم تكن "الإنترنت في جيبك" فكرة يومها؛ كانت معجزة، وتحققت. فقبل ذلك اليوم، كانت الهواتف أدوات اتصال. بعدها، تحوّلت إلى امتداد حسي للعقل البشري. الهاتف صار كاميرا، ودليلاً سياحيًا، ومصرفًا، واستوديو موسيقى، ومكتبة، ومنصة بث حي، بل حتى سلاحًا ناعما في الحرب الإعلامية.
لكن الأهم، أن العالم كما نعرفه اليوم – من الشارع إلى المدرسة، من غرفة العمليات إلى ساحات الحرب – لا يمكن تصوّره بلا آيفون أو ما تبعه.
من الجهاز إلى الظاهرة كيف غير الآيفون العالم؟
منذ طرحه، لم يكن الآيفون مجرد منتج استهلاكي، بل منصة متكاملة لاقتصاد جديد. فتح الباب أمام الاقتصاد التطبيقي، حيث أصبحت التطبيقات سوقًا بمليارات الدولارات. شركات عملاقة اليوم – مثل أوبر، إنستغرام، وتيك توك – لم تكن لتولد لولا بيئة "الآيفون".
غيّر الهاتف أنماط الاستهلاك. صرنا نطلب الطعام، ونشتري الملابس، وندير الحسابات المصرفية، ونشارك اللحظات العائلية من خلال شاشة لا يتجاوز حجمها كف اليد. حتى التعلّم تغيّر: من الصفوف التقليدية إلى الدروس عبر Zoom. أما في سوق العمل، فازدهرت وظائف لم تكن موجودة قبل الآيفون: مطور تطبيقات، مؤثّر على إنستغرام، خبير أمن سيبراني، مدير حسابات... وبهذه الوظائف، انتقل العمل من المكاتب إلى الأرائك والمقاهي والمنازل.
في جيبك...ساحة معركة
لكن التحوّل الأكبر ربما لم يكن في الحياة المدنية، بل في الحروب. صار الهاتف أداة تجسس، جهاز تتبّع، غرفة عمليات متنقلة. ومع اتساع الاعتماد عليه، وُلدت الحروب السيبرانية، وانتقلت النزاعات من الميدان إلى السيرفرات.
في زمن الآيفون، يمكن لخبر كاذب أن يشعل فتنة، ولتسريب أن يسقط حكومة، ولرمز برمجي أن يعطّل بنكا. الحرب لم تعد تحتاج إلى جيوش، بل إلى كود ومستخدم.
في 2025، نحن لسنا فقط في عالم "ما بعد الآيفون"، بل في عالم صُنع بفضله. الذكاء الاصطناعي، الواقع المعزّز، الحوسبة السحابية، البلوكشين... كلها اليوم تتكامل في جهاز صغير يُحمل في اليد.
لكن الأهم من كل هذه التقنية، هو التحوّل في الإنسان نفسه. صرنا أسرع في تلقي المعلومة، أقصر في الذاكرة، أعنف في الرأي، وأكثر وحدة في الزحام الرقمي.
في مثل هذا الشهر، قبل 18 عامًا، لم يُطلق ستيف جوبز جهازًا فحسب، بل بدأ لحظة لم تنتهِ. فكل يوم جديد منذ 2007 هو امتداد لتلك اللحظة. السؤال اليوم ليس عن ما فعله الآيفون بنا، بل عن ما سنفعله نحن بعده.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|