محليات

القاع.. "بوابة تهريب مفتوحة" بين لبنان وسوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تحت جنح الظلام وفي ضوء النهار، تمر صهاريج الوقود مسرعة ذهابا وإيابا بلا توقف عابرة الحدود اللبنانية السورية، من دون حسيب أو رقيب.

وعلى أطراف بلدة القاع الحدودية في البقاع شرقي لبنان، تتواصل أعمال التهريب بشكل احترافي من قبل عصابات منظمة تسعى لتحقيق أرباح مادية بشكل غير قانوني.

بلدة القاع الحدودية القريبة من الحدود اللبنانية السورية في البقاع، التي تبعد عن بيروت أكثر من 136 كيلومترا، تحولت إلى بوابة من بوابات التهريب التي لم تتوقف.

وتبدو الحدود اللبنانية السورية مفتوحة على مختلف أعمال التهريب، بعد أشهر من سقوط النظام السوري في ديسمبر 2024، وانبثاق سلطة جديدة في لبنان بعد أسابيع من حرب إسرائيلية قاسية بدّلت الكثير من معادلات القوة.

ورغم تشديد السلطات اللبنانية والسورية الإجراءات الحدودية ومحاولات ضبط المعابر غير الشرعية وعصابات التهريب على أنواعها، فإن التهريب يتواصل.

شاحنات بلا رقيب

رصدنا في بلدة القاع معالم هذا التهريب المتواصل، حيث تشكل معابرها الترابية غير الشرعية ومساحاتها المفتوحة على الداخل السوري، طرقا معبّدة لكافة أشكال التهريب، وأبرز وجوهه المحروقات والبضائع، وربما أشياء أخرى.

قمنا بجولة مع أحد أعضاء الشرطة المحليين هناك، وانطلقنا من وسط البلدة نحو أطرافها في طريق ترابي طويل باتجاه منطقة مشاريع القاع شمال البلدة.

المشهد يتبدل هناك. سلكنا واحدا من عشرات الطرق التي تعتمدها الصهاريج ليلا لتهريب البنزين والمازوت على الحدود.

الارض شاسعة هناك، حيث يلاحَظ من المشاهدات الميدانية غياب وضعف الإمكانات الأمنية واللوجستية لمكافحة نشاط هذه الصهاريج ووضع حد لها.

يقول ميشال طعمة، أحد أعضاء الشرطة المحلية في البلدة، إن "الخوف ليس من تهريب المحروقات فقط، بل يكمن أيضا في تهريب السلاح والبشر والاتجار بالمخدرات".

ويبدي الشرطي قلقه من دخول "خلايا نائمة" لمنظمات إرهابية أو مسلحين إلى لبنان، وهو ملف يشكل على الدوام قنبلة موقوتة للبلدة التي عانت مرارا من المسلحين.

وبحسب مسؤولين في البلدة، فإنه رغم الدوريات اليومية التي تقوم بها السلطات المحلية بالتعاون مع أجهزة الأمن لمنع أعمال التهريب وضبط الحدود، فإن "المهربين لديهم مخبرين يبلغون بعضهم البعض عن النقاط الأمنية بهدف تغيير اتجاهاتهم، كما يراقبون تحركات الجيش اللبناني للالتفاف على حواجزه ونقاطه الأمنية لضمان طريقهم".

ويتحدث معظم سكان البلدة عن "حدود متفلتة"، حيث يدخل المهربون وسائقو الشاحنات لبنان ويخرجون منه بحرية، من أجل تهريب حمولات طائلة من المحروقات والسلع والممنوعات.

لاحظنا خلال جولتنا أن المهربين يشقون يوميا معابر ترابية على طول الحدود، ومسالك ضيقة لعبور شاحناتهم وتمرير حمولاتها من وإلى لبنان.

وبالإضافة إلى المساحة المنبسطة شمالي البلدة، فإن الجهة الشرقية من أطرافها تعتبر طريقا للتهريب رغم وعورتها.

قوافل من وإلى سوريا

يقول رئيس المجلس المحلي في بلدة القاع بشير مطر لـ"سكاي نيوز عربية"، إن "التهريب مستمر ولم يتوقف"، ويعتبر أن "المعالجات السطحية التي لا تدخل في العمق ستقود إلى استمرار هذا التهريب".

ويؤكد مطر أن عمليات تهريب المحروقات بشكل خاص تضاعفت بعد سقوط النظام السوري، مبديا مخاوفه من تهريب السلاح والبشر على ضفتي الحدود، ومطالبا أجهزة الأمن بتشديد قبضتها على المناطق الحدودية وإغلاق المعابر غير الشرعية و"عدم التساهل في ذلك".

ويذهب رئيس المجلس المحلي في القاع بعيدا، مطالبا باستحداث منطقة عازلة لمنع أي أنشطة تهريب خصوصا في منطقة مشاريع القاع التي يوجد فيها سوريون ولبنانيون ينسقون بشكل يومي مع العصابات التي تهرب كافة أنواع السلع والمحروقات.

ويضيف المسؤول المحلي: "هناك قوافل من الصهاريج تأتي وتذهب كل يوم، ورغم التشدد الأمني والتدابير التي تم اتخاذها فإننا نرصد نحو 40 إلى 50 صهريجا من المحروقات يمر يوميا من القاع فقط".

مخاوف من "خلايا نائمة"

الهدوء الذي يخيم على البلدة خادع، والتوتر يكاد لا يتوقف منذ سنوات، فالبلدة تعرضت لهجوم انتحاري عام 2016 أدى إلى مقتل عدد من أبنائها، كما شهدت التلال المحيطة بها عملية عسكرية نفذها الجيش اللبناني عام 2017، لتحريرها من عناصر "داعش" عام 2017.

وتعيش البلدة على الدوام قلقا من إمكانية عودة كابوس المسلحين والعناصر المتشددة، التي أغرقت منطقة البقاع والحدود والبلاد بأسرها بفوضى دامت سنوات.

كما تأثرت البلدة بالاشتباكات التي وقعت في منطقة حوش السيد علي والقصر على الحدود في مارس 2025، بين عشائر ومهربين وقوات الأمن السورية، لترتفع المخاوف من خروقات أمنية جديدة.

ويرفض سكان البلدة أن تكون منطقة البقاع أو بلدتهم منطلقا لأعمال التهريب، ويؤكدون أن لا مهربين من أهالي القاع، وأن العصابات تستغل موقع البلدة وأطرافها لمواصلة أعمالها غير القانونية.

"ماذا يهرّبون؟"

"لا نعرف ماذا يهربون في هذه الشاحنات"، يقول سامي مخلوف المزارع الذي يعيش على مقربة من هذه الطرقات.

يحدثنا الرجل مطولا عن الشاحنات التي تحمل المحروقات والخضار والفاكهة، لكنه يضيف: "ماذا يهربون غير ذلك يا ترى؟"، مشيرا إلى أن هذه الشاحنات تسير بسرعة قياسية وتعرض حياة السكان للخطر، كما انها لا تحمل لوحات مسجلة وقانونية، مما يزيد الشك بحمولتها.

وبينما يكمل مخلوف حديثه، تمر عدة شاحنات من أمام منزله وهي في طريقها إلى الجانب الآخر من الحدود.

فريق برنامج "النقطة صفر" شاهد عدة شاحنات تمر خلال ساعات قليلة فقط، ورغم تواجد القوى الأمنية على مداخل البلدة فإن هذه الشاحنات تتمكن على الدوام من إيجاد طريق لها لتخرج من الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري وبالعكس.

يقول رئيس تعاونية القاع الزراعية طارق طعمة، إن هناك "خطرا أمنيا حقيقيا يهدد البلدة".

ويتحدث طعمة عن الأضرار التي تحدثها أعمال التهريب على المواسم الزراعية، وعلى مخزون المحروقات، والانعكاسات الاقتصادية لهذه الأعمال غير القانونية، وعلى أمن سكان القاع بشكل عام.

لكنه يشير إلى أمر آخر أكثر خطورة، يتعلق بالاتجار بالسلاح وإمكانية تهريب الأسلحة في هذه "الشاحنات المشبوهة" على حد وصفه.

لم تستطع السلطات حتى الآن ضبط عمليات التهريب المتعددة في منطقة القاع ومحيطها، رغم تشديد الجيش اللبناني وأجهزة الأمن الإجراءات عبر الحدود، وإغلاق معابر غير شرعية وضبط عشرات الشاحنات وتوقيف العشرات، لتتواصل هذه العمليات بحرية.

ويطالب سكان القاع الأجهزة الأمنية والسلطات الرسمية بضبط شاحنات التهريب من مداخل منطقة البقاع، عبر التأكد من هويات السائقين وتتبع عمليات توزيع المحروقات وتفتيش الشاحنات بشكل دقيق.

ويؤكد عدد من الأهالي أن "الدولة اللبنانية لا تقوم بما يكفي لصد هذه العصابات ووضع حد لها".

حاولنا دخول منطقة مشاريع القاع والاقتراب من المعابر غير الشرعية، لكن مسؤولين أمنيين طلبوا منا عدم الاقتراب أو التصوير مخافة تعرضنا لأي خطر في المنطقة.

وبعد مغادرتنا بلدة القاع الحدودية، وصلتنا العديد من الصور ومقاطع الفيديو التي توثق استمرار دخول وخروج الشاحنات، خصوصا في فترة الليل.

حدود مفخخة

يبلغ طول الحدود اللبنانية السورية نحو 375 كيلومترا، تبدأ من بلدة العريضة الحدودية أقصى الشمال وتمر عبر وادي خالد وتلكلخ، وهي مناطق ذات تضاريس مختلطة.

ومن أقصى الشمال الشرقي تقع بلدتا القصر وحوش السيد علي في قضاء الهرمل على حدود ريف حمص الجنوبي، وتمر عبر أطراف بلدة عرسال ومنطقة بعلبك وتمتد على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية وجبال القلمون المعروفة بوعورتها.

وتتجه الحدود شرقا نحو ريف دمشق وتمر بسرغايا والزبداني، وتنتهي عند هضبة الجولان السوري المحتل ومزارع شبعا المتنازع عليها.

وتتحدث تقارير أمنية عن 136 معبرا نظاميا وغير رسمي، يستخدم بعضها في أعمال تهريب الممنوعات والسلاح.

ويعكس التهريب على أطراف بلدة القاع اللبنانية الأوضاع على الحدود الهشة والمتشابكة مع سوريا، وجزءا من الصورة "الغامضة" لأعمال التهريب هذه.

وأطراف بلدة القاع ليست سوى قصة من عشرات القصص على الحدود، ففي مناطق عدة في البقاع الحدود متفلتة تسيطر عليها عصابات ومجموعات، ويمنع على أجهزة الدولة دخولها.

وهذا التهريب المتواصل، يخفي أيضا في مناطق عدة في الشمال والبقاع شرقا، عمليات أخرى أكثر قتامة، تتعلق بتهريب السلاح والكبتاغون والمخدرات والبشر.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا