صارِحوا الناس... فعندها قد تنجحون في الامتحان الأكبر...
الصدق فقط، ولا شيء سواه. هذا أقصى ما يطلبه المواطن اللبناني من دولته، أو مما تُسمّى دولة لبنانية، إذا كانت عاجزة عن تحقيق الكثير.
"مضروبة بألف"
فحتى الساعة، ورغم أن الجميع يدركون بالملموس أن "حفلة" الإفقار المرتبطة بالودائع المصرفية التي قيل للناس إنها "تبخّرت"، أثّرت على الفئات اللبنانية صاحبة الودائع المصرفية الصغيرة قبل المتوسّطة، والصغيرة والمتوسطة قبل الكبيرة، إلا أنه لا يزال هناك من يخبرك في لبنان بأنه يعمل، ويستقبل، ويسافر، ويفاوض... مع القيّمين على أكبر الصناديق المالية الدولية، ومع خبراء دوليين، ومع وفود كل دول العالم... لإعادة الودائع الصغيرة الى أصحابها.
ففي الواقع، 5 سنوات ونصف تقريباً، مرّت على بَدْء المفاوضات اللبنانية "المتقطّعة" مع وفود خارجية، حول كل ما يتعلّق بملفات وشؤون مالية ونقدية واقتصادية محلية. وهي مدّة زمنية كبيرة نسبياً، وخالية من أي إنجازات ملموسة لصالح الناس. مدة زمنية لا يزال العالم يستمع فيها الى "المعزوفات الإصلاحية" اللبنانية نفسها، ويُسمِع الداخل المحلي الكلام نفسه، مع اختلاف بسيط، وهو أن قيمة الانهيار باتت "مضروبة بألف" ربما اليوم، انطلاقاً من حقيقة أن من لا يتقدّم يتأخّر وينهار، حتى ولو كان لا يشعر بهذا التأخير والانهيار. فخسائر الفئات اللبنانية غير الميسورة تزايدت أكثر فأكثر، مع مرور الأسابيع والأشهر والسنوات، بين خريف 2019، وحتى اليوم.
الأكاذيب نفسها
وبموازاة ذلك، لا يزال الشعب اللبناني بدوره أيضاً، يستمع الى ضرورة دعم الناس، وإعادة الودائع الصغيرة قبل الكبيرة، مع "رمي" أرقام يميناً ويساراً بهذا الشأن. فأين هو النهج الجديد في هذا البلد؟ ولماذا الاسترسال بالكذب على الناس، وباعتماد الأكاذيب نفسها التي لا توصل إلا للنتائج نفسها في النهاية؟
ففي الواقع، من فقدوا أموالهم في لبنان هم أصحاب المدخرات الصغيرة. وأما أصحاب الودائع الكبرى، فلم "يتبخّر" لهم أي فلس، مهما تباكى بعضهم على الشاشات، وتظاهر بالحاجة الى "لميّي"، ومهما حاول أن يتواضع بالقول إنه من الشعب وللشعب، وإنه فقد كل شيء على غرار شعبه.
صارِحوا الناس
ففي نظرة بسيطة الى الخلف، والى كمية الرشاوى التي أُنفِقَت على الانتخابات البلدية والاختيارية، من أجل دعم هذا المرشّح أو تلك اللائحة... يتبيّن أن "كبار القوم" في كل مكان، وكل منطقة، وكل زاروب... لم يفقدوا شيئاً، بل زادت أرباحهم ومدخراتهم وثرواتهم خلال الأزمة اللبنانية. وهذا وحده يتطلّب شرحاً رسمياً أكبر، وشفافية أكبر، ومُصارَحَة رسمية أشمل للناس، حتى يشعر أبناء لبنان بأن هناك نهجاً جديداً بدأ في هذا البلد بالفعل.
صارحوا الناس على الأقلّ. وقولوا إن ما مضى قد مضى، وإننا لن نتمكن من محاسبة فلان أو فلان، ولا من فعل كذا وكذا. فالصراحة هي قارب أساسي من قوارب النجاة الأساسية للحكم الجديد في لبنان، قد تحميه من أحمال الحقبات السابقة الثقيلة.
صارحوا الناس، بدلاً من أن تسترسلوا بدراسة ما سيُضاعف الأعباء على جيوب أضعف الناس في هذا البلد، مرة بحجة الحاجة، ومرة بحجة مكافحة تبييض الأموال، ومرة بحجة إصلاحات تحتاج الى من يُصلح أحوالها.
صارحوا الناس. فعندها قد تنجحون في الامتحان الأكبر، امتحان بَدْء الخطوة الأولى في مشروع بناء الدولة.
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|