جنبلاط يقرأ ويتموضع مع كل تحوّل إقليمي ودولي
مع كل تحول في لبنان أو المنطقة، يتموضع رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» السابق وليد جنبلاط، نتيجة قراءته للمتغيرات الجيو – سياسية، من ضمن «الواقعية السياسية» التي يتصف بها، وهو لا يريد «الانتحار السياسي»، ويعمل للحفاظ على زعامة آل جنبلاط الممتدة لقرون، وتبقى المختارة مرجعية سياسية لمن يوالونها، ورقما صعبا في التوازنات والمعادلات الداخلية.
والموقف الأخير الذي عبر عنه جنبلاط في حضور نجله ووريثه السياسي تيمور، في المؤتمر الصحافي الذي عقده منتصف الاسبوع الماضي في كليمنصو، وكان قصيرا، اراد منه ان يبلّغ عن رسالة او رسائل للداخل والخارج، وكان لافتا اعلانه عن تسليم سلاح متوسط وبنادق الى الجيش اللبناني قبل اكثر من شهر، وهو ما طلبه من رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون الذي زاره مع تيمور خلال شباط الماضي، علما انه بعد اتفاق الطائف اعاد السلاح الثقيل الى سوريا، والذي أتاه من الاتحاد السوفياتي سابقا.
ويبقى توقيت ما اراد جنبلاط الأب ان يوصله، فتزامن المؤتمر مع كلامه بعد لقائه للموفد الأميركي الى لبنان توم باراك الذي زاره في منزله، وهو من بين السياسيين الذين التقاهم، بعد ان اجتمع مع الرؤساء الثلاثة عون ونبيه بري ونواف سلام، وسلمهم ورقة تضمنت بنودا ترى الادارة الاميركية أن على لبنان أن ينفذها، ومن أبرزها تسليم سلاح حزب الله في كل لبنان، وليس جنوب الليطاني، وفي مهلة زمنية، اضافة الى عناوين حول الاصلاح السياسي والتعافي المالي والاقتصادي، وتمنى باراك ان يحصل على جواب رسمي موحد خلال شهر تموز اثناء زيارته الثانية الى لبنان، الذي تضيق امامه مهلة الانتهاء من وجود حزب الله العسكري.
والرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» تكونت لديه معلومات ومعطيات ووقائع، عن أن المنطقة دخلت في «العصر الأميركي»، وان «محور المقاومة» الذي تقوده ايران منذ عقود انتهى، وان خارطة جديدة ترسم «للشرق الأوسط»، لا بد من الالتفات اليها، وتبدل عنوان الصراع مع العدو «الاسرائيلي» باعتماد التطبيع، وفق ما تكشف مصادر سياسية عن موقف جنبلاط، التي ترى فيه انه يلاقي المتغيرات في ما حصل من نتائج الحرب «الاسرائيلية» على ايران، والتي ساندتها أميركا مباشرة فيها بقرار من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي يذكّر بالمرحلة التي كان فيها الرئيس الأميركي الاسبق دوايت ايزنهاور، يواجه المد الشيوعي في المنطقة في خمسينات القرن الماضي، وأسس حلفا كانت ايران برئاسة الشاه هي قائدته، وباشرت بناء مفاعل نووي.
وتقول المصادر ان ترامب يحارب ايران الاسلامية التي تقود محورا داعما للفلسطينيين منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي، وان ما يعتبره ترامب مع رئيس حكومة العدو الصهيوني انتصارا على ايران، قد يكون هو ما ترك جنبلاط يقرأ في هذه التحولات ويتخذ موقفه، وهو غير ما كان عليه موقف والده الشهيد كمال جنبلاط، الذي كان ضد المشروع الأميركي وحلف بغداد، واصطف الى جانب المشروع القومي العربي، الذي قاده الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وانعكس ذلك توترا سياسيا في لبنان، وصدامات عسكرية في عهد الرئيس كميل شمعون صيف 1958، والذي كان يرغب التمديد لرئاسته، فانقلبت عليه أميركا وسمت قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية ، بالاتفاق مع الرئيس عبد الناصر.
ومع التموضع الجنبلاطي في قراءته للتطورات العسكرية والسياسية، واعلانه تسليم السلاح دون ان يصدر بيان عن قيادة الجيش ولا عن الحزب «التقدمي الاشتراكي»، وعزا جنبلاط ذلك الى اندلاع الحرب، وهو سلاح لا يدخل في اطار السلاح الذي تريد «اسرائيل» وأميركا ان يسلمه حزب الله، فكشف جنبلاط ان السلاح تم تجميعه بعد احدث 7 أيار ضد حزب الله، وهذه مرحلة انتهت، فقرر تجميعه مركزيا وتسليمه. في اشارة منه الى الاحزاب اللبنانية وغير اللبنانية، وتحديدا المنظمات الفلسطينية ان تسلم ما لديها من سلاح، لمنع استخدامه في فتنة داخلية، قرر جنبلاط ألّا ينخرط فيها، في كل ما يرسم للمنطقة من تقسيم وطرح «سايكس بيكو» جديدة، مع اغراءات للعدو «الاسرائيلي» يطرحها على أطراف درزية لحمايتها واقامة «دويلة لها».
في هذا التوقيت، يأتي المؤتمر الصحافي لجنبلاط في حضور نجله تيمور، ليعلن أن الدولة اللبنانية هي الحاضنة للجميع، وتحت سقفها يجب ان تنضوي كل المكونات اللبنانية، التي انخرطت سابقا وربما حاليا في مشاريع، وتم استخدامها في محاور، وما اتى منها الا الاقتتال والحروب والدمار والتهجير، وهو ما استنتجه جنبلاط من خلال مسيرته السياسية، فكان السبّاق الى المصالحة في الجبل، قبل ان تتوقف الحرب الأهلية وبعدها، وفق ما تقول مصادر كليمنصو التي تشير الى ان هذا لا يعني ان «وليد بك» اسقط من فكرته وايمانه الحق في فلسطين، وخطر المشروع «الاسرائيلي» التوسعي التوراتي، انما لمحاربته شروط وظروف، وفي مرحلة نجحت المقاومة في تحرير الجنوب وطرد الاحتلال «الاسرائيلي» من بيروت والمناطق الاخرى، لكن مع الحرب الأخيرة تغيرت المواجهة واساليبها، في ظل التطورات التقنية الحربية والاستخبارية.
فالقراءة التي يجريها جنبلاط تنقله من مكان الى آخر، وفيها دائما مصلحة، كما هي الدول مصالح.
كمال ذبيان - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|