سرد تفصيلي لمشروع قانون تسوية المصارف، و"القطبة المخفية" لنسف خطّة الحاكم الإصلاحية
أحيل مشروع القانون، الذي صاغته في البداية الحكومات السابقة وأعيد تقديمه مع تعديلات طفيفة من قبل الحكومة الحالية، إلى مجلس النواب منذ ستة أسابيع تقريبًا. وقبل ذلك التقديم، ووفقًا للأصول الإجرائية والمتطلبات القانونية، طلب وزير المالية ياسين جابر رسميًا رأي مصرف لبنان قبل تقديمه. في ذلك الوقت، كان حاكم مصرف لبنان د. كريم سعيد قد تم تعيينه وتفصله ايام معدودة عن تولى مهامه. ومع ذلك، فقد حرص، وفق اوساط نيابية داعمة لوجهة نظره، على تقديم رد أولي في الوقت المناسب إلى وزارة المالية، مع تسليط الضوء على الحاجة إلى مزيد من المداولات والمشاورات المؤسسية قبل موافقة مجلس الوزراء والإحالة إلى البرلمان.
وفي خطوة تدفع للاستغراب والدهشة، ومن دون إجراء مداولات أو مشاورات ثنائية كافية، ردت وزارة المالية في اليوم التالي مباشرة، مشيرةً إلى أنه لا يمكن دمج سوى عناصر محدودة من تعليقات الحاكم وقد اعتُبرت معظم التغييرات التي اقترحها غير مقبولة بسبب القيود الزمنية المزعومة، وأُحيل مشروع القانون على الفور إلى البرلمان للنظر فيه. حيث يتعارض هذا النهج مع روح التعاون المؤسسي ويتناقض بشكل صارخ مع الممارسات المعتادة للتنسيق بين الوكالات بشأن النصوص القانونية ذات الأهمية النظامية.
ولدى وصول مشروع القانون إلى المجلس النيابي، دعا رئيس لجنة المال والموازنة، النائب إبراهيم كنعان، جميع المعنيين اي (الوزراء المعنيين والحاكم) لحضور الجلسة الافتتاحية. وقدّم سعيد عندها مذكرة قانونية شاملة أوجز فيها ملاحظات مصرف لبنان التي ركّزت بشكل أساسي على المادتين 3 و5.
فالمادة 3، بصيغتها الحالية، تتعدى بشكل غير مقبول على الدور القانوني للمجلس المركزي لمصرف لبنان الذي يتمتع، بموجب المادة 70 من قانون النقد والتسليف، باختصاص حصري في السياسة النقدية والرقابة على القطاع المالي. وفي الوقت نفسه، كان الكلام أن المادة 5 تركيبة لهيئة القرار المصرفي من شأنها أن تمسّ باستقلالية مصرف لبنان وتتعارض مع المبادئ الأساسية لحوكمة تضارب المصالح، على وجه التحديد، واعترض سعيد على التعيينات الوزارية في هيئة الرقابة على المصارف معربا عن مخاوفه بشأن إدراج هيئة الرقابة على المصارف، الأمر الذي من شأنه أن يضع نفس الكيان فعليًا في أدوار الادعاء والفصل في القضايا.
واستجابةً لأهمية المخاوف القانونية للحاكم، تتابع الأوساط، اختارت لجنة المالية والموازنة إحالة مشروع القانون إلى لجنتها الفرعية للسماح بمراجعة أكثر تفصيلاً وبناء توافق في الآراء. ودعي اليها سعيد للمشاركة في هذا المنتدى لتوضيح موقف مصرف لبنان.
وتكشف الاوساط انه قبل إحدى جلسات اللجنة الفرعية هذه، اتصل رئيس الحكومة نواف سلام نواف سلام، وطلب عقد اجتماع في مقر إقامته يوم الأحد 25 مايو/أيار 2025. وخلال هذا اللقاء، نوقشت النقاط الخلافية الرئيسية وحسمت نقاط الخلاف الرئيسية. وطلب من الحاكم أن يعمد الى توثيق الاتفاق خطيًا، وهو ما قام به، وطلب منه أيضًا أن يناقش المسودة المتفق عليها مع وزير الاقتصاد عامر البساط، وهو ما تم في اليوم التالي.
وبعد أن حصل الحاكم على هذا التوافق، توقع موقفاً حكومياً موحداً في جلسة اللجنة الفرعية البرلمانية المقرر عقدها في 27 أيار/مايو 2025. لكن وزير المالية رفض الاعتراف بأي اتفاق أو تقارب في وجهات النظر بين الحكومة ومصرف لبنان خلال جلسة 27 أيار/مايو. وذكر أن موقف مجلس الوزراء لم يتغير، وأن مصرف لبنان له الحق في إبداء رأيه، وأن الأمر يجب أن يفصل فيه مجلس النواب خلال الجلسة القائمة . ولم يتم تقديم أي تفسير لهذا التغيير، لا من قبل وزير الاقتصاد ولا من قبل رئيس الوزراء لاحقًا.
في 5 حزيران/يونيو 2025، أثار سعيد هذه المسألة مرة أخرى مع جابر في السراي الحكومي، سعيًا إلى فهم التحول المفاجئ للحكومة.
وفي ذلك التاريخ، طلب الحاكم توضيحات من وزير المالية في السراي الكبير: فأشار إلى أن سعيد لم يتشاور معه كوزير للمالية، ملمحاً إلى أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع رئيس الوزراء لم يكن كافياً من الناحية الشكلية. وبناءً على تعليمات صريحة من رئيس مجلس الوزراء، قبل الحاكم بحسن نية هذا التفسير ووافق على استئناف المناقشات بعد العيد.
وبناءً على هذا التفاهم، اجتمع الفريق القانوني لمصرف لبنان في 10 و11 حزيران/يونيو 2025 مع السيد سمير حمود، كبير مستشاري وزير المالية، الذي شارك في المناقشات بشكل بنّاء رغم أنه ليس محامياً. وتوصل الفريقان إلى اتفاق مبدئي وصيغ في شكل مسودة في 17 حزيران/يونيو.
وفي 18 حزيران 2025، عُقدت جلسة نيابية أخرى للجنة الفرعية في ، وكان من المتوقع أن يؤكد الطرفان على النص التوافقي. مرة أخرى، تنصل وزير المالية مرة أخرى من أي اتفاق أو تفاهم مشترك، مدعيًا أن المناقشات مع مصرف لبنان لم تكن حاسمة وكرر أن المسودة التي قدمتها الحكومة لا يمكن تعديلها في هذه المرحلة.
وبعدما تم رفضها مرتين، وبعدما استنفدت الكثير من الوقت والجهد والخبرة القانونية في صياغة بدائل توافقية، توصل الحاكم كما ابلغ علنا، إلى استنتاج مفاده أن الحكومة اختارت عمدًا رفض أي تعديل، حتى لو كان معقولاً وبناءً.
وعملا بصلاحياته كحاكم مؤتمن على مصلحة الوطن والمواطنين، وعملاً بالمادتين 71 و72 من قانون النقد والتسليف، لا زال ملتزمًا بالتعامل البنّاء مع جميع مؤسسات الدولة. غير أن الموقف الحالي الذي تتبناه الحكومة يشير إلى تفضيل واضح لفرض مواجهة بينها وبين مصرف لبنان ومجلس النواب، لدوافع لا تزال مبهمة بالنسبة لاوساط عدة، وربما هي مبهمة ايضا بالنسبة إلى السلطة التشريعية أيضًا.
لقد شارك الحاكم سعيد طوال هذه الفترة في أربع جلسات للجان واللجان الفرعية، وشارك باستمرار بحسن نية وعقلانية، ساعيا إلى إيجاد بدائل قابلة للتطبيق من شأنها الحفاظ على الاستقلالية المؤسسية لمصرف لبنان مع ضمان إقرار إطار عمل قوي وفعال لحلّ هذه المسألة بالتنسيق الكامل مع الحكومة. ولا يخفي وفق الاوساط، رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، كلامه حول جهود وانفتاح سعيد على الحلول الوسط، إذ لم يترك باباً إلا وطرقه ولم يترك سبيلاً إلا وسلكه في محاولة لمطالبة ممثلي الحكومة ومصرف لبنان بالتوصل إلى وجهة نظر مشتركة واتفاق نهائي، ورغم عرقلته لاهداف ملتبسة سيبقى يسعى نحو تحقيق المصلحة العامة...
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|