الصحافة

هل يصمد اتفاق الفيول العراقي أمام زلزال مضيق هرمز؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في لحظة حاسمة من التصعيد الإقليمي، يواجه لبنان خطر انقطاع شامل في التيار الكهربائي وسط اضطراب سوق الطاقة العالمية وتهديد إيراني جدي بإغلاق مضيق هرمز. ومع اعتماد البلاد شبه الكامل على الفيول العراقي، يصبح أي خلل في الإمدادات تهديداً مباشراً لأمنه الطاقوي واستقراره الاجتماعي. التهديد الإيراني، الذي عاد إلى الواجهة من جديد، لم يعد مجرّد ورقة إعلامية بل تحوّل إلى أداة ضغط جيوسياسية تستعملها طهران في وجه التصعيد الإسرائيلي المتواصل، وسط تضييق الخيارات السياسية أمامها.

يقف لبنان، المستورد بالكامل للمحروقات، في موقع بالغ الهشاشة. أي تعطيل جزئي في حركة الملاحة النفطية قد يدفعه إلى أزمة طاقة كارثية، في ظل اتفاق نفطي هشّ مع بغداد وغياب أي مخزون استراتيجي فعّال. والسؤال المطروح: هل يمتلك لبنان خطط طوارئ حقيقية؟ وهل بإمكانه الصمود في وجه عاصفة نفطية قد تُغلق كل قنوات الإمداد؟

مضيق هرمز

يمرّ عبر مضيق هرمز يومياً ما بين 17 و20 مليون برميل من النفط الخام، أي ما يقارب 20 % من الإمدادات العالمية، بالإضافة إلى ربع تجارة الغاز المسال في العالم. هذا الممر البحري الحيوي الذي لا يتعدى عرضه 33 كيلومتراً في أضيق نقاطه، يشكّل نقطة ارتكاز استراتيجية لأسواق الطاقة الدولية.

إيران، من خلال النائب إسماعيل كوثري، أعلنت أنها "تدرس جدياً" خيار الإغلاق، في رد مباشر على الهجمات الإسرائيلية الأخيرة. وقد تسبب هذا التهديد بارتفاع فوري في سعر برميل برنت إلى ما فوق 90 دولاراً، فيما تُقدّر مؤسسات متخصصة أن أي تعطيل جزئي قد يدفع الأسعار إلى 130 دولاراً، أما الإغلاق الكامل فقد يتجاوز سعر البرميل عتبة الـ 200 دولار.

فيول العراق... اتفاق هشّ

يعتمد لبنان على اتفاقية مقايضة حكومية مع العراق، تتيح تزويده بكميات شهرية من الفيول الثقيل مقابل خدمات لبغداد، ويتم تجديد هذه الآلية كل ستة أشهر، وقد مُدّد العمل بها في آذار 2025.

لكن هذا الاتفاق، رغم ضرورته، يقف اليوم أمام تحديات متفاقمة، أبرزها:

• احتمال تعديل بغداد لشروط الاتفاق في حال تجاوز الأسعار سقفاً معيّناً؛

• تعقيدات الشحن نتيجة التوتر في مضيق هرمز؛

• تجربة صيف 2024، حين تأخرت الشحنات لأكثر من أسبوعين، وأدخلت البلاد في عتمة شاملة؛

• انعدام المخزون الطارئ، ما يجعل لبنان مكشوفاً بالكامل لأي خلل بحري أو سياسي.

العتمة تقترب؟

أي خلل في تسليم شحنات الفيول، يهدّد لبنان بعواقب فورية وخطيرة، منها:

• ارتفاع كبير في أسعار المحروقات محلياً، مع انعكاسات مباشرة على النقل والتوزيع والإنتاج؛

• تفاقم عجز مؤسسة كهرباء لبنان، في ظل تآكل احتياطياتها الدولارية؛

• انفجار اجتماعي محتمل نتيجة تصاعد كلفة تشغيل المولدات وارتفاع الفاتورة الطاقوية للمواطنين والمؤسسات.

العاصفة بدأت

من جهتها، حذّرت خبيرة النفط والطاقة كريستينا أبي حيدر من أن إغلاق مضيق هرمز، وقالت لـ "نداء الوطن"، إذا نُفّذ التهديد بإغلاق المضيق، لن يصيب فقط الأسواق العالمية، بل سينعكس مباشرة على إيران نفسها، إذ إن جزءاً كبيراً من صادراتها النفطية إلى الصين والهند يمرّ عبر هذا الممر. هذا النوع من التصعيد، وإن استُخدم سابقاً كأداة ضغط، إلا أنه في حال تنفيذه سيحمل تكلفة اقتصادية باهظة على طهران قبل غيرها.

تسارع التطورات، وتغيّر نبرة بعض العواصم الدولية، ومؤشرات ميدانية متراكمة، تُنذر – وفق تقييمها – باحتمال اندلاع مواجهة واسعة قد تشمل أطرافاً دولية وإقليمية، ما يعني دخول ملف الطاقة في صلب المعركة.

وتُحذّر التقديرات من قفزة في أسعار النفط قد تتجاوز 150، وربما 200 دولار للبرميل، ما سيؤثر ليس فقط على المحروقات، بل على الاقتصاد العالمي، الغذاء، النقل، وسلاسل التوريد. في لبنان، تبدو الصورة أكثر قتامة. لا بدائل حقيقية للفيول العراقي، ولا بنية تخزين قادرة على امتصاص أي تأخير. العقود الحالية لا تمر جميعها عبر الأطر الدستورية، وبعضها لا يتمتع بحماية قانونية كافية. في حال تعثّرت أي شحنة، يعود لبنان مباشرة إلى العتمة، كما حصل عام 2024.

مؤسسة كهرباء لبنان، بحسب أبي حيدر، تُدير الوضع بأسلوب يومي ارتجالي. لا خطة بديلة، لا جدول واضح للاستيراد، والتمويل يتم من خلال حسابات دولارية تُستنزف تباعاً من دون رؤية مستدامة. التهديد لم يعد نظرياً. أزمة الطاقة في لبنان باتت مرهونة بتوازنات إقليمية تفوق قدرته على التأثير فيها، لكنه سيكون من أوائل الدول المتضرّرة إذا تعطّل أي جزء من منظومة الإمداد.

الوقت لم يعد في صالح لبنان

أمام هذا المشهد المقلق، يجد لبنان نفسه على مفترق طرق حاسم في ملف الطاقة، حيث لم يعد بالإمكان التعويل على الحلول الظرفية أو التعايش مع الأزمات المتكررة. فالتهديدات الإقليمية المتسارعة، وهشاشة الاتفاقات النفطية القائمة، وانعدام المخزون الطارئ، كلها مؤشرات تنذر بانزلاق في أية لحظة، قد يقود إلى انقطاع شامل في التيار الكهربائي، وما يحمله ذلك من تداعيات اقتصادية واجتماعية خطيرة.

ورغم تعويل اللبناني على الحلول البديلة التي تدخل المولدات الخاصة من ضمنها، إلا أن ذلك لا يغني عن ضرورة إيجاد حل جذري لهذا الملف. وإذا كان وزير الطاقة جو الصدي يعمل بطريقة منهجية لزيادة الإنتاج من خلال إنشاء معامل جديدة، وتطبيق قانون الطاقة الذي لم يُطبّق خلال سنوات طويلة، إلا أن الوصول إلى النتائج المرجوة تحتاج إلى مزيد من الوقت. وحتى تأتي الخطط ثمارها، سيبقى وضع الكهرباء في لبنان هشّاً ومعرّضاً في كل لحظة لانتكاسة أو أكثر.

جوزيان الحاج موسى - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا