أوكرانيا تدخل عصر الصواريخ الباليستية: "سابسان" يضرب العمق الروسي
في تحول نوعي على صعيد التسلح الاستراتيجي، أعلنت أوكرانيا دخول صاروخها الباليستي "سابسان" مرحلة الإنتاج الضخم، وذلك بعد نجاح أول اختبار قتالي له في أيار 2025، حين أصاب بدقة منشأة عسكرية روسية تبعد نحو 300 كيلومتر عن خط الجبهة، موقعاً دماراً كبيراً في المنشأة المستهدفة. الحدث يشكل نقطة انعطاف في قدرات كييف الصاروخية، في وقت تخوض فيه البلاد حرباً شاملة للدفاع عن سيادتها ضد الغزو الروسي.
ووفقاً لما أورده فالنتين بادراك، مدير مركز أبحاث الجيش والتحويل ونزع السلاح، في مقال له على موقع LIGA.net، فإن أولى التجارب الناجحة لصاروخ "سابسان" جرت في تموز 2024، مشيراً إلى أن هذا الطراز يتفوق من حيث السرعة على العديد من الأنظمة الغربية والروسية. فقد وصلت سرعته في الاختبارات إلى 5.2 ماخ، أي نحو 6370 كيلومتراً في الساعة، متجاوزاً سرعة صاروخ ATACMS الأميركي (حوالي 3 ماخ)، واقترب من سرعة صاروخ "إسكندر-إم" الروسي التي تبلغ حوالي 6 ماخ.
الصواريخ الباليستية تُغيّر قواعد الاشتباك
يؤكد بادراك أن الصواريخ الباليستية أكثر فتكاً من صواريخ الكروز بفضل سرعتها العالية ومسارها الطيراني المكافئ، الذي يجعل اعتراضها بواسطة منظومات الدفاع الجوي التقليدية أمراً بالغ الصعوبة. وأضاف: "هذا الأمر أثبت عمليًا حتى من خلال صواريخ ATACMS الباليستية الأميركية القديمة، والتي لم يتمكن العدو من اعتراضها".
نجاح "سابسان" في إصابة هدف عسكري روسي داخل العمق يُعد أول استخدام عملياتي من نوعه لصاروخ باليستي أوكراني الصنع. وتشير المعلومات إلى أن الضربة نُفذت بتاريخ 24 مايو 2025، وشكّلت اختباراً حقيقياً للصاروخ، الذي تمكّن من تدمير المنشأة المستهدفة بدقة، وهو ما يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من الردع والقدرات الهجومية في الحرب الدائرة.
التحوّل نحو الإنتاج الكمي
المعطيات الصادرة عن وزارة الدفاع الأوكرانية – وفقًا لبادراك – تشير إلى أن لا عقبات تقف حالياً أمام إدخال "سابسان" إلى خط الإنتاج الضخم. ويرى الخبراء أن هذه الخطوة تُمهّد لتغيير جذري في ميزان الردع، إذ لم تكن أوكرانيا تملك في السابق منظومات صاروخية باليستية محلية الصنع بهذه الكفاءة والمدى والدقة.
ويضيف بادراك: "يمكننا الافتراض أن أوكرانيا تسير بالفعل على طريق تعزيز قدراتها الصاروخية، وهذا مهم ليس فقط للحاضر، بل أيضًا لضمان مستقبل الدولة والشعب".
أوكرانيا تتحول إلى دولة مصنّعة للسلاح
الغزو الروسي الشامل الذي بدأ في فبراير 2022، شكل دافعًا وجوديًا لكييف لإعادة بناء منظومتها الدفاعية من الداخل. وبفضل قيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي وقدرته على إقناع الحلفاء الغربيين بأهمية الاستثمار في أمن أوكرانيا كجزء من أمن أوروبا، بدأت البلاد تتحول تدريجيًا إلى دولة مصنّعة للسلاح، لا مجرّد مستهلكة له.
تشير البيانات الرسمية إلى أن أوكرانيا تنتج اليوم نحو 40% من احتياجاتها العسكرية محليًا، مع خطط طموحة للوصول إلى الاكتفاء الذاتي الكامل بنسبة 100% بحلول عام 2027. ولا يقتصر هذا الإنتاج على الذخائر والصواريخ، بل يشمل أيضًا المسيّرات، أنظمة الدفاع، الطائرات، والمعدات الثقيلة.
وفي هذا الإطار، بدأت دول أوروبية – بينها ألمانيا، بريطانيا، وفرنسا – بتمويل مشاريع عسكرية مشتركة داخل الأراضي الأوكرانية، شملت تطوير المسيرات، والدبابات، والآن الصواريخ. أما تركيا، فكانت سبّاقة في بناء شراكة عسكرية مع كييف منذ بداية الحرب، من خلال التعاون في تصنيع وتطوير مسيّرات "بيرقدار"، التي لعبت دورًا بارزًا في مراحل حاسمة من الصراع.
الردع البحري: أسطول المسيّرات وصواريخ "نبتون"
وفي جانب لا يقل أهمية عن البر والجو، أصبحت أوكرانيا أول دولة في العالم تمتلك أسطولًا متكاملًا من المسيّرات البحرية، وهو ما مكّنها من فرض معادلة ردع جديدة في البحر الأسود، حيث تراجع الوجود الروسي بنسبة 70%، وفق تقديرات استخبارية غربية.
هذا الردع البحري لم يكن ليكتمل دون تطوير صاروخ "نبتون" – وهو صاروخ أرض-بحر أوكراني الصنع – الذي لعب دورًا حاسمًا في ضرب القطع البحرية الروسية، وفي مقدمتها الطراد الشهير "موسكوفا". التنسيق بين المسيرات البحرية وصواريخ "نبتون" شكّل نقلة نوعية في قدرة كييف على الدفاع عن مياهها الإقليمية، وضرب العمق البحري للأسطول الروسي الذي بات يتحرك اليوم ضمن نطاق محدود خوفًا من الاستهداف المباشر.
تعزيزات أخرى على الجبهة
بالتوازي مع إدخال "سابسان"، بدأت القوات الأوكرانية باستخدام منظومات "بولافا" الهجومية والاستطلاعية بدون طيار، في خطوة تُعدّ بمثابة الرد المحلي على صواريخ "لانسيت" الروسية الشهيرة. وتتميز هذه الأنظمة بقدرتها على تنفيذ مهام هجومية دقيقة خلف خطوط العدو، إلى جانب إمكانياتها في المراقبة والاستطلاع في ظروف القتال المعقدة.
كما تم تزويد قوات الدفاع بطائرات سداسية المراوح من طراز "فولينياك"، مصممة خصيصًا لملاحقة وتدمير المركبات المدرعة الثقيلة، ما يضيف بُعدًا تكتيكيًا مهمًا في مواجهة التقدم الروسي على الأرض.
في ظل انسداد أفق الحل السياسي وتصاعد حدة المواجهات العسكرية، تُظهر أوكرانيا تصميماً واضحاً على ترسيخ قدراتها الصاروخية وتعزيز صناعتها الدفاعية الوطنية. صاروخ "سابسان" ليس مجرّد سلاح جديد، بل هو إعلان دخول أوكرانيا عصراً جديداً من السيادة التكنولوجية والتكتيكية، في معركة أصبحت فيها القدرة على التصنيع الذاتي للسلاح شرطاً للبقاء، وليس فقط للنصر.
محمد البابا- نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|