إقتصاد

"أزمة عميقة"... ما هي الإصلاحات الهيكلية الأساسية المطلوب تنفيذها؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

منذ أواخر عام 2019، يواجه لبنان واحدة من أسوأ الأزمات الاقتصادية في تاريخه الحديث، أزمة أخذت تتعمق بعد إعلان الدولة تعثّرها عن سداد ديونها في مارس/آذار 2020.

هذه التطورات أدت إلى تدهور حاد في قيمة الليرة اللبنانية، وارتفاع كبير في مستويات التضخم، إلى جانب تراجع فعالية الخدمات العامة بشكل ملحوظ.

ورغم تعدد المبادرات لإنقاذ الوضع، لا تزال البلاد غارقة في أزمة مستمرة ألقت بظلالها الثقيلة على حياة اللبنانيين اليومية والاقتصاد الوطني برمّته.

وفي آخر تقرير لها، أكدت وكالة "موديز" تصنيف لبنان عند مستوى "C"، وهو ما يعكس استمرار الأزمة الاقتصادية والمالية والاجتماعية العميقة التي تعصف بالبلاد منذ عام 2019.

يستمر لبنان في مواجهة تحديات جوهرية، في مقدمها الضرورة الملحة لإعادة تنظيم شاملة للمالية العامة، بما يشمل الدين السيادي، مصرف لبنان، والقطاع المصرفي التجاري. ويظل نيل الدعم من صندوق النقد الدولي والمجتمع الدولي مرتبطاً بتنفيذ إصلاحات هيكلية عميقة.

"أزمة عميقة"
في حديثٍ خاص إلى "النهار"، يؤكد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان أن "تثبيت تصنيف لبنان يعني أن وكالات التصنيف الائتماني لا تزال ترى أن الدولة في حالة تعثر فعلي، وأن احتمالات سداد الديون السيادية بالعملة الأجنبية تبقى مخفوضة جداً، ما يضع لبنان في خانة الدول ذات المخاطر السيادية القصوى".

ويلفت إلى أن "هذا التصنيف يُترجم على المستوى العملي بانعدام الثقة الكاملة من الأسواق المالية العالمية، ويُغلق الباب أمام أي إمكان للتمويل من الأسواق الدولية، سواء عبر إصدار سندات أو عبر اجتذاب رؤوس أموال أجنبية"، موضحاً أنه "ببساطة بمثابة إعلان رسمي من المؤسسات الدولية بأن لبنان لا يزال في أزمة عميقة وغير محلولَة على صعيد مالي واقتصادي".

وذكر تقرير "موديز" أن بعض الخطوات الإيجابية قد اتُّخذت أخيراً من الحكومة اللبنانية، بما في ذلك التعديلات على قانون السرية المصرفية والموافقة على مشروع قانون لإعادة هيكلة القطاع المصرفي.

في هذا السياق، يشدد أبو سليمان على أنه "رغم أهمية هذه الخطوات، فهي تظل غير كافية بمفردها"، مشدداً على أن "المطلوب هو تنفيذ حزمة متكاملة من الإصلاحات الهيكلية، تشمل:

- إعادة هيكلة الدين العام بشكل عادل وشفاف، يراعي مصلحة الدولة والدائنين والمودعين، ويفتح الباب أمام اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي.

- إقرار خطة واضحة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتطبيقها، تتضمن توزيعاً عادلاً للخسائر، حماية صغار المودعين، ومحاسبة من تسبب بالأزمة.

- إطلاق إصلاحات مالية جدية: كإصلاح النظام الضريبي ليصبح أكثر عدالة وتقدماً، وضبط النفقات العامة، وتحسين الجباية، خصوصاً من القطاعات غير المنظّمة.

- تعزيز الحوكمة ومكافحة الفساد عبر القضاء المستقل وتطبيق القوانين لا الاكتفاء بإقرارها شكلياً.

- تحسين بيئة الأعمال والاستثمار عبر الحد من البيروقراطية، واستثمار الدولة في البنى التحتية، وتحفيز القطاعات المنتجة كالصناعة والزراعة والتكنولوجيا.

- ضبط المعابر والحدود ومحاربة التهريب لأن استمرار استنزاف الموارد سيقوّض أي خطة تعافٍ مهما كانت متقنة".

كذلك، ترى "موديز" أن من غير المرجح أن يتحرَّك تصنيف لبنان عن مستواه الحالي قبل اكتمال إعادة هيكلة الديون.

"إرادة سياسية إصلاحية حقيقية"
وبحسب ما يقول الخبير الاقتصادي لـ"النهار" فإنَّ "مستقبل لبنان الاقتصادي مشروط بإرادة سياسية إصلاحية حقيقية"، مضيفاً: "إذا تم استكمال خطة شاملة لإعادة هيكلة الدين والقطاع المصرفي، وتم التوصل إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد، مع التزام تنفيذه، فإن البلد يستطيع الخروج تدريجاً من الأزمة في خلال ثلاث إلى خمس سنوات".

ويعتبر أن "لبنان لا يفتقر إلى الطاقات ولا إلى الموارد الأساسية، بل يفتقر إلى القرار السياسي الصارم والشفاف"، متابعاً: "أما في حال استمر التعطيل والمماطلة، فإن البلاد ستبقى في حالة انكماش مزمن، وسيتآكل ما تبقى من الثقة، وستتعمق الفجوة بين الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي، وستُستنزف الدولة إلى حدود الانهيار الكامل".

وفي سؤال حول أداء الحكومة على صعيد الإصلاحات إلى الآن، يؤكد أنه "حتى اليوم، لا يمكن اعتبار أداء الحكومة كافياً. نعم، هناك بعض الخطوات التشريعية المهمة، لكن التنفيذ لايزال غائباً أو جزئياً".

ويوضح أن "الإصلاحات تُقاس بالنتائج لا بالنيات، والمشكلة الأساسية لا تزال في غياب القرار السياسي الجامع، والانقسامات داخل السلطة، وغياب المساءلة"، مشدداً على أن "المطلوب حكومة استثنائية بصلاحيات واسعة، تمتلك الجرأة السياسية والاستقلالية الكافية لتنفيذ إصلاحات مؤلمة لكنها ضرورية، وتعمل بشفافية أمام الرأي العام، وإلا فإن كل الخطوات ستبقى حبيسة الأدراج أو محط شك من المجتمع الدولي واللبنانيين على حد سواء". 

إن مستقبل لبنان الاقتصادي لا يزال معلقاً على إرادة سياسية إصلاحية حقيقية تُخرج البلاد من دوامة الانهيار.

ورغم بعض الخطوات الإيجابية، فإن غياب التنفيذ الجدي والرؤية الشاملة يضعان لبنان أمام مفترق طرق: إما الخروج التدريجي من أزمته عبر إصلاحات جذرية واتفاق مع صندوق النقد، وإما البقاء في حالة انكماش مزمن وتآكل مستمر للثقة والمؤسسات.

محمد غسّاني -  النهار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا