جان عبيد عائدٌ اليوم من أجل عناقٍ أخير
سيعود اليوم. وسّعوا له مكاناً في المقدّمة. سيدخل محيّياً بيدَين مرفوعتَين، كعادته. سيصغي إلى المتحدّثين. يبتسم طويلاً، ثمّ يغادر القاعة. كأنّ اليوم وداعه الأخير. يعود جان عبيد لساعةٍ، لساعتَين، ثمّ ينال موقعه بين الخالدين، لا لبصماتٍ في السياسة فقط، بل لمآثر في الأخلاق والقيم والنبل، وهذه وتلك صنعت فرادته، فما مرّ عابر سبيلٍ في حياة من عرفه، بل أقام في القلوب والوجدان، وسيبقى.
"ستةّ عقودٍ في الوطن" عنوان الكتاب الذي يُحتفى بإصداره اليوم (كتابة نقولا ناصيف، عن دار النهار للنشر، ويُطلَق في احتفالٍ عند واجهة بيروت البحريّة)، وفيه بعضٌ من سيرة جان عبيد الذي يحضر اسمه في محطّاتٍ من تاريخ العرب ولبنان، وقد عاصر أحداثاً وكباراً، وخطّ اسمه حيث يليق به، وزيراً ونائباً ومستشاراً وصحافيّاً، ودوماً حكيماً لا يمرّ ذكره في الهامش أبداً ولا تسوقه رعونة الطامحين، بل ترفعه الكلمة الحقّة، يقولها بلا مواربة، ولو دفع أثماناً وحُجبت عنه كراسٍ.
ستّة عقود كان فيها جان عبيد الصوت الهادئ، ولكن المسموع، بنى جسوراً عنوانها الصدق لا المصالح، ولم يغره طمعٌ في زمن كان فيه التزلّف عادةً، خارج الحدود وداخلها.
ستّة عقود علّمنا فيها جان عبيد بأنّ السياسة ليست تنازلات، وبأنّ المناصب لا تصنع الرجل بل يصنعه النبل وعمق التجربة والثبات على الموقف والولاء للوطن والمناعة أمام الإغراءات والتعفّف عن الابتذال والغنى بالثقافة…
ستّة عقود في الوطن، ومثلها مع الناس، من عرفه وأحبّه. كلّ من عرفه أحبّه. ومع العائلة، وقد زرع فيها قيماً باتت علامةً فارقة، من حسن الملقى إلى التهذيب في اللفظ إلى كرم الضيافة، حتى باتت مائدة منزله في بلونة من أشهر وأشهى موائد الجمهوريّة يضيف اليها رشّةً من ملح تعليقاته الساخرة، وحبّة سكّر من محبّته ترافقك حلاوتها حتى تلتقيه من جديد.
سنلتقي اليوم من جديد. سنعانق الكتاب كمن يعانق حبيباً بعد غياب. صورته على الغلاف، مبتسماً ورافعاً يده. كلماته في الداخل. سيرته على الصفحات. كأنّك تقرأ بصوته المبحوح. كأنّك تريده أن يعود، لتسمع بعد قصّةً من تاريخه، لتسأل عن محطّةٍ من عمر وطن، لتتلقّى أمراً إضافيّاً: "كُلْ من هذه" و"اشرب من تلك"، ولتصغي الى بيتٍ من شعر "صديقه" أبو الطيّب المتنبي، ثمّ تمضي حاملاً مسبحةً وشرحه عنها.
يا من يمسك بمسبحة الأعمار، يا ليتك تركته بيننا بعد. لمثل جان عبيد تليق الحياة، وتليق الكتب، وتليق المحبّة. لمثله تليق الـ "اشتقنالك"… و"كتير".
داني حداد - موقع Mtv
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|