كلمة السر التي حملها أبو مازن إلى بيروت
بدت زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس "أبو مازن" إلى بيروت، بمثابة “غارة سياسية” مبرمجة في توقيت أميركي مدروس، لا سيما أنها جاءت ضمن سياق الترتيبات الجارية للملف الفلسطيني في لبنان، وأظهرت بشكل واضح تنسيقاً متقدّماً بين "أبو مازن" والإدارة الأميركية. و "أبو مازن"، لم يزر بيروت إلا بهدف "قص شريط" تسليم السلاح خارج جنوب الليطاني –وهي بمثابة كلمة سر الزيارة- في انسجامٍ واضح مع توجهات أميركية تعبّر عنها باستمرار نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس، إلى جانب دول عربية فاعلة في الملف اللبناني.
مبادرة دون توافق
في الشكل، أطلق عباس مبادرة تقضي بتسليم السلاح داخل المخيمات بالتشاور مع أركان السلطة اللبنانية، من دون تنسيق مع الفصائل الفلسطينية كـ"حماس" و "الجهاد الإسلامي" وغيرها من الذين يعتبرون مؤثرين على مستوى مخيمات لبنان، واقتصر التنسيق على فصائل منظمة التحرير التي خوّلها، وفقاً لإعلانه، تسليم سلاحها وفق جدول زمني محدد.
ومن رحم هذه المشاورات، وُلدت "لجنة أمنية" فلسطينية - لبنانية مشتركة كلفت الإشراف على تطبيق هذه البنود، على أن تضم، المدير العام للأمن العام اللواء حسن شقير، ومدير المخابرات العميد طوني قهوجي عن الجانب اللبناني، بالاضافة إلى شخصيات حدّدتها السلطة.
ثلاث مراحل… وانقسام داخلي
في المضمون، أعلنت منظمة التحرير -بما فيها حركة “فتح”- استعدادها لتسليم السلاح داخل المخيمات على ثلاث مراحل تشمل مخيمات بيروت، ثم البقاع والشمال، وأخيراً الجنوب. إلا أن هذه المبادرة لم توحّد الصف الفلسطيني، بل فجّرت انقسامات حادة، خصوصاً من قبل فصائل خارج المنظمة التي سارعت إلى عقد اجتماعات مفتوحة بهدف الخروج بموقف موحّد إزاء ما سمّي "إعلان بيروت".
تساؤلات جوهرية
تُطرح هنا تساؤلات محورية: بأي صفة سياسية وأمنية أطلق "أبو مازن" هذه المبادرة؟ وهل يحق له التفاوض باسم مجموعات مسلّحة لا تنضوي تحت قيادته أو دون علمها؟ وما مدى قدرة السلطة الفلسطينية -التي تعاني من تآكل داخلي في الضفة الغربية وتسعى للسيطرة على غزة- على فرض ترتيبات أمنية في مخيمات لبنان؟ وهل تملك مثلاً سلطة فعلية على فصائل “فتحاوية” مستقلة وقوية داخل المخيمات؟
المسألة لا تتعلق فقط بـ"من يسلم السلاح"، بل بـ"أي سلاح" سيتم تسليمه. بحسب ما تم التوافق عليه مبدئياً، ستحدد منظمة التحرير منطقة معينة لتجميع السلاح داخل المخيم، يُنقل لاحقاً إلى موقع خارجه يتم الاتفاق عليه مع الجيش اللبناني، الذي يتولى توثيق الموجودات ونقلها. لكن العقدة تكمن في نوعية السلاح: الدولة تطالب بأن يشمل التسليم جميع أنواع الأسلحة، من الفردية إلى الثقيلة، بما فيها قذائف الهاون، الـ"آر بي جي"، والصواريخ على أنواعها (محمولة أو ثابتة).
حتى اللحظة، لم تُقدَّم أي لوائح أو خرائط رسمية إلى الجهات اللبنانية بشأن كميات السلاح أو آليات التسليم، وسط قناعة متزايدة بأن ما سيُسلَّم لن يكون ذا قيمة فعلية ربطاً بالوضع الراهن، حيث لا يمكن أن تقوم "فتح" مثلاً في تسليم سلاحها بينما يبقى السلاح في أيدي "حماس" أو التنظيمات الإسلامية! ويُضاف إلى ذلك بند بالغ الأهمية يتعلق بتشكيل لجنة "تقصّي حقائق" (وهو مطلب لبناني)، الهدف منه إجراء عملية فحص للمواقع التي يُعلن عن تفريغها، والتأكد من خلوّها من السلاح فعلياً.
حماس: استهداف سياسي
ما أثار غضب الفصائل من خارج د منظمة التحرير لم يكن فقط تفرّد "أبو مازن" بالمبادرة وكأنه الممثل الشرعي والوحيد، بل التوقيت السياسي. فبالنسبة إلى "حماس"، بدت الخطوة محاولة صريحة "للنيل منها" في لبنان وهي تشعر بمحاولة "تطويق"، امتداداً لمحاولات مماثلة في قطاع غزة. وتقول مصادر قريبة من الحركة إن عباس يسعى لتقديم "فتح" كشريك أمني للدولة اللبنانية، بينما تُصوَّر "حماس" كجهة خارجة عن القانون.
وتنقل المصادر أن "حماس" تعتبر أن "حركة أبو مازن" في بيروت، هدفها تقويض حضورها. وتخشى الحركة من أن تتحوّل الضغوط اللبنانية، التي بدأت مع قرار المجلس الأعلى للدفاع عقب قضية إطلاق الصواريخ من الجنوب، إلى إجراءات تطال وجودها السياسي، تحت ذريعة أنها ترفض التعاون مع الدولة اللبنانية.
حذر لبناني ومخاطر مرتقبة
من جانبها، تتعامل الدولة اللبنانية مع الملف بحذر شديد، مدركةً التعقيدات الحالية والسابقة، وعجز السلطة الفلسطينية عن فرض إرادتها حتى على مجموعات محسوبة عليها. وتعتبر أن المرحلة الحالية التي جرى إطلاقها بالتنسيق مع "أبو مازت"، ما هي إلا خطوة أولى في مسار طويل ومعقّد. وتدرك أن نزع السلاح من المخيمات ليس مسألة بسيطة، بل قد يؤدي إلى تعقيدات إضافية فيما لو صنفت الفصائل المعترضة حركة السلطة الفلسطينية على أنها معادية ورفضت التعاون.
إضافة إلى ذلك، لا يمكن إغفال وجود تشكيلات عسكرية خارج أي مرجعية فلسطينية معروفة، ما يجعل تطبيق أي اتفاق مهمة شبه مستحيلة. وترى الجهات اللبنانية أن غياب إجماع فلسطيني شامل يفرغ المبادرة من مضمونها الفعلي.
مواعيد بلا ضمانات
يوحي تحديد تواريخ لتسليم السلاح في مخيمات بيروت في 16 حزيران، ثم في الشمال والبقاع مطلع تموز، وأخيراً في الجنوب منتصف الشهر نفسه، بوجود "خطة عمل". لكن الواقع الميداني يناقض ذلك. فمخيم عين الحلوة، على سبيل المثال، يحتوي على جزر أمنية خارجة عن سيطرة جميع الفصائل، وتُدار من قبل عناصر أجنبية. ولا تقل تعقيداً أوضاع مخيمَي "البص" و "الرشيدية"، حيث تتمركز النواة الصلبة لـ"حماس" و "الجهاد" التي تعلن صراحة عدم التزامها بأي اتفاق لا تشارك فيه.
ليبانون ديبايت - عبدالله قمح
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|