الصحافة

بارزاني من واشنطن يغيّر قواعد اللعبة النفطية بـ"توقيع"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في لحظة من اللحظات النادرة التي يجرؤ فيها طرف محلي على تعديل قواعد الاشتباك مع بغداد، اختار نيجيرفان بارزاني أن يتصرّف كـ"رجل دولة"، لا كـ"ممثل إداري" عن إقليم، باعثاً برئيس حكومته (مسرور بارزاني) إلى واشنطن في زيارة لم تكن بروتوكولية، ولا دعائية، بل سياسية من الطراز الثقيل.

هناك، وعلى أرض العاصمة الأميركية، واشنطن، رعى رئيس الإقليم عن بُعد توقيع حكومته لاتفاقيتين استثماريتين مع شركتين أميركيتين، بقيمة 110 مليارات دولار، لتطوير حقول الغاز في السليمانية.

قد تبدو الخطوة للوهلة الأولى، اقتصادية بحتة. لكن المتابع لما يجري بين بغداد وأربيل، يعلم أنّ كل استثمار في قطاع الطاقة في كردستان هو في حقيقته بيان سياسي. فالعقود التي وُقّعت مع HKN Energy وWesternZagros تشمل تطوير حقول ضخمة، منها "ميران" و"توبخانة-كوردامير"، التي تُقدَّر احتياطاتها بنحو 13 تريليون قدم مكعب من الغاز، وقرابة مليار برميل من النفط. هذا الحجم من الموارد لا يمكن تمريره من دون استدعاء النزاعات القديمة حول الدستور، والسلطة، والشرعية.

لم تتأخر بغداد في الردّ، وأعلنت وزارة النفط الاتحادية سريعاً أنّ الاتفاقيتين "باطلتان"، لأنّ الحكومة المركزية لم توافق عليهما. الذريعة القانونية مألوفة، لكنّها تفقد بعضاً من قوتها مع الوقت. فالحكومة العراقية عاجزة عن فرض نموذج بديل، والمحكمة الاتحادية باتت تحكم في ملفات لا تُنفّذ. وكل ذلك يُشجّع أربيل على الاستمرار في فرض الوقائع، خطوة بعد أخرى.

اللافت أنّ الاتفاق جاء ضمن سياق سياسي دولي شديد الحساسية. فالإقليم يتحرّك وسط خريطة طاقوية متحوّلة، من أوروبا الباحثة عن الغاز، إلى تركيا الطامحة في لعب دور الوسيط، إلى إيران التي تراقب بقلق... وكل هؤلاء بمن فيهم الولايات المتحدة، يعرفون أنّ نيجيرفان بارزاني ليس رجلَ مواجهة، بل رجل توازنات. لكنّه حين يوقّع، يعرف ماذا يريد، ومتى يضع الورقة.

واشنطن، لم تُخفِ رضاها. لقاءات مسرور بارزاني في بلاد العمّ سام لم تكن شكلية. وزير الخارجية ماركو روبيو اعتبر الاتفاقية "خطوة استراتيجية لتعزيز أمن الطاقة"، وألمح إلى دعم أميركي واضح لحكومة الإقليم في مساعيها للاستقلال الاقتصادي. هذا الدعم لم يأتِ في الفراغ. فالعلاقة بين إقليم كردستان والعواصم الغربية تقوم على الثقة والتعويل، خصوصًا في لحظات الانكماش العربي والعجز الاتحادي.

المهم هنا ليس فقط الغاز، بل ما وراؤه. الاتفاق يعطي أربيل جرعة أوكسيجين في لحظة اقتصادية صعبة، ويؤسس لبنية تحتية طاقوية قد تجعلها قادرة، يوماً ما، على تصدير الغاز. هذا ليس أمراً قريباً، لكنّه لم يعد خيالاً أيضاً. ومع إعلان حزب العمال الكردستاني عن نيته حلّ نفسه ونزع سلاحه، تزداد المؤشرات على أنّ الإقليم يرتّب بيته الداخلي والخارجي لحظة بلحظة، تحضيراً لمرحلة جديدة.

ما تفعله إدارة الإقليم ليس انقلاباً على الدولة في نظر البعض. بل نوع من إعادة تعريف للعلاقة معها. فالرئيس بارزاني لا يرفع شعارات الاستقلال، لكنّه يتصرّف على أساسه. يُراكم المكتسبات، ويُنجز في الملفات التي تركها الآخرون معلّقة.

وبهذه العقلية، يكون بارزاني قد نجح في ترسيخ صورته كـ"رجل دولة" قادر على المناورة، والمتقن للعبة توازن المصالح. هذا ليس إنجازًا بسيطًا في عراق متخم بالانقسامات، ومُنهك بالفساد، وعاجز عن إنتاج قيادة تُقنع الداخل وتحظى بثقة الخارج.

الاتفاق مع الشركات الأميركية ليس نهاية القصة، بل بدايتها. أمّا بارزاني (رئيس الإقليم)، فيُثبت مرة جديدة أنّه، وحكومته، لا ينتظر "الضوء الأخضر" من بغداد... بل يصنع لنفسه طريقاً، ثم يدعو الآخرين إليه.

عماد الشدياق -نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا