باسيل غرز علمه فوق جزين: حلف ثلاثي يقصي القوات
لم تكن الانتخابات البلدية في جزين مجرّد استحقاق محلي على المقاعد، بل معركة سياسية على رمزية المدينة التي لطالما عُرفت بأنها "القلعة العونية". وتحوّلت في لحظة إلى ساحة اختبار لشعبية القوى المسيحية المتنازعة، وعلى رأسها التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. معركة تجاوزت حدود البلدية، وامتدّت إلى عمق الاشتباك السياسي بين الحزبين اللذين يتنافسان على الزعامة المسيحية.
القوات تُراهن... وتخسر
وبينما كانت "القوات اللبنانية" تمني النفس بانتصار "تُتوّج" به سلسلة إنجازاتها البلدية، وتستكمل من خلاله التمدّد الذي حققته من زحلة إلى جبيل، كان جبران باسيل ينسج تحالفاً يعيد فيه تموضع "التيار الوطني الحر" في قلب "ساحته التاريخية". راهنت "القوات" في جزين، التي لطالما عُرفت بـ"القلعة العونية"، على اقتحام البلدة، عبر لائحة "مدنية" لا ثقل سياسياً واضحاً فيها، في محاولة للقول إنّ الزمن تغيّر وأن "العونية" لم تعد حاضنة جزين.
جُيِّشت الماكينات، اشتغلت الهواتف، وتحولت البلدة إلى ورشة دائمة من الاتصالات واللقاءات. كادت ماكينة "القوات" تتحول إلى غرفة عمليات ليلية مفتوحة، تُعيد رسم مشهد المنطقة. كان الرهان على تكرار تجربة زحلة جنوباً، على أبواب المعركة الكبرى في 2026. لكنّ المعادلة لم تنقلب. سقط الرهان، لا فقط بالخسارة، بل بانكشاف محدودية التغلغل القواتي في بيئةٍ لطالما ارتبطت عضوياً بخيارات "التيار الوطني الحر".
إستعادة... لا إنتصار
خاض جبران باسيل المعركة بتحالف "ثقيل"، جمع فيه النائب السابق أمل أبو زيد، والنائب إبراهيم عازار، إلى جانب دعم من النائب زياد أسود، الخارج من عباءة "التيار"، للمرشح دافيد الحلو. وتُظهر المعطيات أن أسود، رغم استقلاليته الظاهرة عن قيادة "التيار"، لم يلعب دوراً محورياً في هذه الجولة، خصوصاً بعدما سقطت فكرة اللائحة "الهجينة" التي كان يعتزم تشكيلها من أسماء من اللائحتين المتنافستين.
الانتصار في جزين لا يمكن قراءته كفوز انتخابي فحسب، بل كاستعادة معنوية وميدانية للتيار الوطني الحر بعد سلسلة ضربات تلقاها، داخل المدينة وخارجها. فمنذ الانتخابات النيابية الأخيرة، التي أخرجت نوابه من البرلمان، كان واضحاً أن "التيار" يمرّ بأزمة داخلية وتموضع مرتبك. إلا أن الانتخابات البلدية أعادت له قدراً من التوازن، لا سيما في "قلب جزين" التي احتفظ بها.
وبدا واضحاً أن هدف باسيل لم يكن مجرد انتصار بلدي، بل رسم ملامح تحالف سياسي مستقبلي في الانتخابات النيابية المقبلة، وتحديداً مع إبراهيم عازار، بما يُعيد تشكيل الصوت المسيحي - الشيعي في الدائرة، ويستثمر هذا التوازن البلدي في معركة 2026.
أجواء الانتخابات
المعركة، رغم كل ما رافقها من تعبئة إعلامية وتجييش القواعد الشعبية وتحريض مضمر بين السطور، لم تنزلق إلى انفجار في الشارع، بل ظلّ الاحتقان مضبوطاً ضمن السقف الانتخابي التقليدي، مع بعض التوترات المحدودة والتلاسن الكلامي بين مناصري اللائحتين، والتي بقيت محصورة ضمن الأطر المحلّية ولم تتخذ طابعاً أمنياً أو يتطور الأمر إلى إشكالات مفتوحة. ويمكن القول إن هذا الانضباط النسبي عكس قراراً سياسياً من القوى المعنية بضبط الإيقاع الانتخابي، منعاً لانزلاق جزين إلى صدام، خصوصاً أن المعركة كانت تجري تحت أعين قوى حزبية وأمنية ترصد التوازنات عن كثب.
في بلدات قضاء جزين، تنوعت النتائج البلدية على وقع التحالفات والخصومات القديمة، ففي كفرفالوس، فازت لائحة "أوفياء كفرفالوس" المدعومة من التيار، في مشهد أكّد تناغم مع جزين المدينة. أما في روم، فتقاطع التيار مع حزب الله في دعم لائحة "معاً لروم"، التي حققت الفوز.
في المقابل، فازت لائحة "عاراي بتجمعنا" المدعومة من القوات اللبنانية في بلدة عاراي، في واحدة من المعارك التي احتفظت فيها القوات بالحضور مع عدد من القرى الأخرى مثل مشموشة، الميدان، حيطورة... بعد خيبة جزين.
أما في مليخ، فبدت الصورة أكثر حدّة. فقد تمكّنت لائحة "التنمية والوفاء" من الفوز على لائحة "مليخ تجمعنا" التي حظيت بدعم موريس متى، في معركة خاضها التيار والثنائي معاً لاستعادة البلدة المختلطة.
الاستثناء البارز كان في سجد. هناك، لم تنفع أعراف التحالفات التقليدية بين حزب الله وأمل. كُسِر الخط وتبنى الثنائي لائحة "التنمية والوفاء"، مقابل تمرد قيادات محلية لدواعي عائلية ذهبت إلى تشكيل لائحة "الوفاء" بدعم من العائلات، انتزعت هذه اللائحة الفوز المبين، في مشهد خرج عن السياق العام للقضاء.
فاز التيار ببلدية جزين، واحتفظ بموقعه في قلب القلعة التي لطالما اعتبرها ساحته بعد سلسلة نكسات أصابت التيار الوطني الحر منذ الانتخابات البلدية الأخيرة. ونفذ باسيل كلامه بأنه سيشك علم التيار فوق جزين. لكن مقابل هذا التثبيت في المركز، لم تخرج "القوات اللبنانية" خالية الوفاض. فرغم سقوط رهانها على بلدية المدينة، نجحت عبر اختراقها عدداً من قرى القضاء.
وفيما يُسجَّل لباسيل هذا الانتصار على خصمه القواتي، تبقى العيون متّجهة نحو المرحلة التالية: من يتولى رئاسة اتحاد بلديات جزين؟ ذلك الموقع الذي لا يقلّ أهمية عن رئاسة البلدية نفسها، لما له من رمزية إدارية وتنموية، ومن دلالات على من يُمسك فعلياً بقرار المنطقة في المرحلة المقبلة.
نغم ربيع - "المدن"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|