ليسوا بأمر "أبو مازن"
منذ أيام، حديث الفلسطينيين في لبنان يركز على زيارة الرئيس محمود عباس، وموضوع نزع سلاح المخيّمات، باعتباره أحد أسباب هذه الزيارة التي باركتها «القوات اللبنانية» وقائدها سمير جعجع، كما رحّبت بها قوى وأحزاب أخرى في لبنان.
المثير للاهتمام في طرح مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان، داخل المخيمات وخارجها، كما يحب البعض القول، أنه ملف يحتاج الى علاج ليس محصورا عند الفلسطينيين بشكل كامل. فعباس وإن أعطى الشرعية للدولة اللبنانية للتصرف في المخيمات، إلا أنه، فعليّاً، لا يمون إلا على سلاح فصيله، أي «فتح»، وبقية فصائل منظمة التحرير الفلسطينية التي لن تخرج عن قراره وتوافق «الشرعية الفلسطينية» مع الدولة اللبنانية. أمّا السلاح الآخر، سلاح فصائل سوريا، فهو أمرٌ اتّخذ بحقّه الجيش اللبناني إجراءً بعد أيام من سقوط النظام السوري في كانون الأول من العام الماضي، عندما سيطر على مواقع عسكرية خارج المخيمات لـ«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، و«فتح الانتفاضة»، وتبقى مسألة سلاحهم في المخيّمات، والتي يمكن أن تُحل عبر توافق ما مع فصائل المنظمة.
أمّا السلاح الثالث، فهو ذاك المرتبط بالقوى التي يشار اليها بأنها قوى متطرّفة داخل مخيم عين الحلوة، وداخل أي مخيم يمكن أن يكونوا مختبئين فيه من عيون الدولة، وعيون مَن يُفترض أنهم أمنٌ للمخيمات. هذا السلاح، مع سحب سلاح المخيمات، ستكون له السيطرة في مخيم عين الحلوة مثلاً، وربما حينها سيتدخّل الجيش اللبناني لحسم أمره وإيقافه عند حد تفلّته وتحكّمه ببقعة جغرافية على الأراضي اللبنانية، وهنا يكمن السّؤال: كيف سيكون مصير المخيم وأهله الذين قد يقعون ضحيّة اشتباك دامٍ، ما لم توقف القوى المتطرفةَ والجهاتُ المشغّلة لها، وتخرجها من المخيم.
أمّا السلاح الرابع، فهو سلاح يقال إنه لدى حركتي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وهو ما لا يمون عليه محمود عباس، والمشكلة في هذا السلاح تحديداً، أن حديثه ليس مع الحركتين الفلسطينيتين، بل مع حزب الله، وحديثه ضمن حديث الدولة اللبنانية مع الحزب أيضاً، عن سلاحه وعن مصيره.
سلاح الحركتين في لبنان يحظى بغطاء، وهذا مثلاً ما كان قبل عام 1982، بالنسبة إلى سلاح الثورة الفلسطينية، التي كانت تحظى بغطاء وشراكة من الأحزاب الوطنية اللبنانية، كالحزب الشيوعي، ومعظم اليسار اللبناني، والحزب التقدمي الاشتراكي. وما دام سلاح الحركتين يحظى بهذا الغطاء والشراكة، فمن الضروري أن يكون واضحاً للفلسطينيين الخائفين وللّبنانيين المتحمسين، أن الحوار يجب أن يتّخذ منحى آخر، وأن يكون مع المعنيّين فقط، وليس مع ممثّلي الفصيلين في لبنان، لأن الحوار معهم سيؤدي إلى نتائج، لكن محدودة، كتسليم «حماس» ثلاثة أشخاص للجيش اللبناني، وعدم تسليمها الرابع. الأهم من كل هذا، أن يعرف الجميع أن مسألة هذين الفصيلين إقليمية ودولية، وليست محلّية لبنانية، والإجابة على سؤال سلاحها في لبنان وغيره لم تُحسم بعد، بسبب محادثات هنا، ومفاوضات هناك، تجري بين اللاعبين الكبار، حول مسائل إقليمية ودولية. وليس مقصد ما سبق، أن هذه الفصائل موجودة كأدوات للاستخدام، لكنّها بالتأكيد جزء من توازنات سياسية كبرى، في سبيل قضية الحركتين الفلسطينيتين.
المشكلة التي قد تتولّد من زيارة أبو مازن، وربما المشكلات، مرتبطة بالمقاربة التي تنطلق منها السلطة الفلسطينية في فهم الملف الفلسطيني في لبنان، وكذلك المقاربة التي تنطلق منها الدولة اللبنانية في التعاطي مع الفلسطيني.
وفي بداية الأمر، التداخل الحاصل بين السلطة والمنظّمة، وعُلو كعب الأولى على الثانية، يجعل من وصول وفد من السلطة الفلسطينية إشكالاً بحد ذاته، فالسلطة أو الدولة لا تتحدث عن اللاجئين بوصفه ملفّاً رئيسياً في يومياتها، وتوجّهاتها، وبات الحديث عن ملف اللاجئين بروتوكولياً، أكثر من كونه هاجساً قد يفشل أي تفاهمات ممكنة في المستقبل، ولا أظن هناك تفاهمات ستحدث، وهذا قياساً على ما حدث بعد اتّفاق أوسلو، وشعور اللاجئين بأنهم تُركوا لوحدهم. وهذا ما يعيشه اللّاجئ الفلسطيني في لبنان تحديداً منذ نحو ثلاثين عاماً، فلا يشعر حقاً بالتمثيل، والعلاقة القائمة بينه وبين مَن يفترض أنهم يمثّلونه، علاقة نفعيّة بامتياز، قائمة على حاجة «الممثّلين» للولاء، وهو ولاء مُشترى بالمال و«الامتيازات» القليلة جداً، وعلى حاجة اللاجئين إلى كثير من الأمور، كحق العمل على الأقل، الذي سيُنعش حياة اللاجئين، ويؤمّن عيشاً كريماً لهم، ويبعدهم في يومياتهم عن الخوف الذي يرافقهم من كونهم فلسطينيين بوثيقة.
أمّا مقاربة الدولة اللبنانية، فمنطلقُها التعامل مع المخيمات بوصفها بؤَراً أمنية، ومنطلقُها الآخر، التوازنات المحسوبة في البلد بميزان الذهب، فحتى من كانت منطلقاتهم في لبنان مع فلسطين، وسلوكهم اليومي والاستراتيجي من أجل فلسطين، يفصل بين فلسطين والفلسطينيّين اللاجئين في لبنان، فيدافع عنهم باللفظ والخطاب، بينما في الواقع وعلى الأرض، وفي المؤسّسات اللبنانية، فإنه يتّخذ موقعه المناسب في التوازنات اللبنانية حتى لا يخلخلها، ولا يكون سبباً في اختلالها.
المكتوب أعلاه، هو رسالة إلى المعنيّين، في الجانبين الفلسطيني واللبناني. الفلسطينيون في لبنان، بروتوكولياً ولفظياً في الخطابات لا ينوون الرحيل من لبنان إلى أي مكان آخر، سوى فلسطين، وهذا طموحهم، وطموح كل اللاجئين الفلسطينيين في أماكن وجودهم كافة. لكن الوضع الكارثي الموجود فيه الفلسطيني، سيحمله على الرحيل في أي لحظة يتاح له فيها هذا الرحيل، وفي تفكيره غالباً أن هذا الرحيل، إن لم نقل الهجرة، سيؤمّن له حياة كريمة، تساعده على العودة إلى فلسطين، وزيارتها إلى حين تحريرها.
إن كان هناك مَن هو متمسّك باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، فعليه أن يفعل ما يجب فعله لحفظ كرامة البشر، من كل الأطراف المعنية بالفلسطينيين، كأن يتم العمل على حل مشاكل اللاجئين في لبنان والمخيمات بحسم وحزم، كموضوع المخدرات وتجارها المحميّين من بعض الشخصيات «الكبيرة» في الفصائل، على غرار ما يحدث بخصوص السلاح الذي لو استُفتي سكان المخيمات حوله (فلسطينيين ولبنانيين وسوريين)، لوافقوا على نزعه على الغالب، رغم التناقض في أفكارهم؛ خوفهم على أمنهم نظراً لذاكرة مليئة بالأحداث الدامية، وعدم إيمانهم بأن هذا السلاح سيحميهم في لحظة جنون، كونه أدّى إلى طردهم من بيوتهم بسبب اشتباكات عشوائية، مثلما حدث في عين الحلوة عام 2023.
أخيراً، «شعبنا الفلسطيني في لبنان، هو ضيف مؤقّت إلى حين عودته إلى وطنه فلسطين، ومخيمات اللاجئين هي تحت سيادة الدولة والجيش اللبنانيين، ولا سلاح خارج إطار الدولة»، هذا ما قاله الرئيس محمود عباس للرؤساء الثلاثة الذين قابلهم في لبنان، وهذا قول الفلسطينيين في لبنان، وقولهم الآخر: «نريد أن نعيش بكرامة، بلا إذلال من القريب والبعيد».
الاخبار- أيهم السهلي
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|