الصحافة

لبنان بين الإنقاذ المؤجّل والإصلاح الموعود

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

قبل 45 سنة وخمسة أشهر، وتحديدًا في 29 كانون الأول العام 1979، أدرجت أميركا سوريا-الأسد على قائمة الدول الرّاعية للإرهاب وبدأت فرض عقوباتٍ اقتصاديةٍ عليها.

العقوبات أثّرت في الشعب السوري لا في سلطة الأسد التي جمعت ثروتها من فسادها المفروض على لبنان الذي احتلّته بـ30 ألف جندي من جيشها النظامي وما يقدر بـ10 آلاف عنصر من منظمتَيْ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين-القيادة العامة وقوات التحرير الشعبية -منظمة الصاعقة بقيادة زهير محسن التابعتيْن لحزبها الحاكم.

محور نظام الأسديْن البائد المُتحالف مع “أذرع” إيران المسلّحة، استباح حدود لبنان البرّية مع سوريا البالغ طولها 375 كيلومترًا وسيطر، حتى بداية هذه السنة (2025)، على مطار لبنان المدني الوحيد كما على المنافذ البحرية، وأدار في لبنان شبكة تبييض أمواله القذرة وعائداته النقدية عبْر ما يعرف بمؤسسة “القرض الحسن”. كما سيطر على شبكات تهريب المخدرات والبشر والأسلحة والمواد الغذائية والمحروقات ووسّع سطوة فساده الذي تسرّب إلى قطاعات الصحّة والتربية وقضى، من دون مبالغة، على جميع مظاهر دولة القانون.

ما يُعرف عِلميًا بـ”فرصة التغيير التاريخية” تحقّقت في سوريا مع هروب بشار الأسد وأتباعه وانتصار “هيئة تحرير الشام” بقيادة أحمد الشّرع واستعادة العاصمة دمشق في 7-8 كانون الأول الماضي.

بعد شهر على انهيار الحلف البائد في سوريا، انبلج فجر أملٍ بانعتاق لبنان من عصر الذلّ والفساد بقيادة رئيس الجمهورية جوزاف عون ورئيس الحكومة نوّاف سلام، وتعزّز هذا الأمل عندما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من الرياض “تعليق” العقوبات المفروضة على سوريا بناء على طلب ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي شارك هاتفيًا في لحظة تغيير مسار الشرق الأوسط.

وسادت لبنان موجة تفاؤلٍ مضخّمةٍ جرّاء الإعلان الترامبي، متجاهلةً “العتب” الأميركي – الأوروبي – الخليجي على القيادة اللبنانية “لبطئها” في تنفيذ الإصلاحات الموعودة، وعلى رأسها تجريد حزب الله من سلاحه.

نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط مورغان أورتاغوس كشفت بوضوح عن هذا العتب خلال مشاركتها في “منتدى قطر الاقتصادي” في الدوحة، إذْ قالت ردًّا على سؤال محدّد عن نزع سلاح حزب الله إنّ المسؤولين اللبنانيين “أنجزوا في الأشهر الستة الماضية، على الأرجح، أكثر مما أُنجز طيلة السنوات الـ15 الماضية… لكن لا يزال أمامهم الكثير”.

وذكّرت أورتاغوس بأنّ إدارة ترامب دعت إلى “نزع السلاح الكامل لحزب الله”، وأنّ “هذا لا يعني جنوب الليطاني فقط”.

المُلفت في ما كشفته أورتاغوس لا يقتصر على “العتب” المتعلّق ببطء نزع سلاح الحزب بل يتضمن مقاربةً جديدةً لتحقيق الإصلاحات المطلوبة من خارج دائرة القروض من صندوق النقد الدولي.

وقالت أورتاغوس في كلمتها أمام منتدى قطر الاقتصادي إنّ “الاصلاحات التي نتحدّث عنها مهمّة جدًا، وبالمناسبة “صندوق النقد الدولي” ليس الخيار الوحيد، لديّ خطة كبيرة ورؤية قد تمكّن لبنان من الاستغناء عن صندوق النقد ربّما، اذا تمكنّا من تحويله الى بلد استثمارات يمكننا استعمال أموال المستثمرين هنا، وتجنيبه المزيد من الديون”.

لا شكّ أنّ تحويل لبنان إلى “بلد استثمارات” وفق تعبير أورتاغوس وإخراجه من دائرة القروض والتبعيّة لصندوق النقد الدولي هي مقاربة جديدة فعلًا ومفاجئة، ولكن كيف يستطيع المحور الأميركي – العربي تحويل لبنان إلى بلد استثمارات؟

ليس سرًّا أنّ المستثمر جبان، ولا يُقدم إلّا إذا توفر له الاستقرار، ولا يتأمّن الاستقرار إلا إذا توفّر “الأمن” ولا يتوفّر الأمن إلّا إذا تمّ حلّ جميع الميليشيات في البلد المعروض الاستثمار فيه.

وهذا يعيدنا إلى تشدّد أميركا، وتلكؤ لبنان، في مسألة نزع أسلحة الميليشيات وحلّها.

ليس سرًّا أنّ إخراج لبنان من دائرة القروض والتبعية لشروط صندوق النقد الدولي هو أكثر من هديةٍ للبنانيين، خصوصًا لأصحاب الودائع، وتحديدًا لصغار ومتوسطي المودعين الذين كانت ودائعهم هي جنى أعمارهم وتعويضات نهاية خدماتهم في القطاع الخاص.

ويبدو أن موضوع تحويل لبنان إلى بيئة استثمار هو عنوان معمّم على المحور الأميركي – العربي لم يغفلْه رجل الأعمال الإماراتي خلف الحبتور الذي كان مستثمرًا في لبنان لكنه يعمل على نقل استثماراته لعدم ثقته بالوضع الأمني.

وفي هذا الصدد كتب الحبتور في حسابه على “X”: “لبنان الحبيب يستقبل زوّاره من دول #الخليج_العربي ويستعدّ لصيفٍ يأمل أن يكون مزدهرًا. لكن كيف يُمكن أن يطمئن الزائر وتخطط العائلات لعطلاتها هناك وسط مشاهد عدم الاستقرار المتكررة؟

أحداث أمنية في صبرا وشاتيلا على بُعد دقائق من المطار، مزار يكرّم مجرمًا لم يُخْفِ يومًا عداءه لبلداننا، وفلتان مستمر لا يليق ببلدٍ يريد النهوض.

… وصلتني شخصيًا دعوات عديدة لزيارة لبنان، كما وصلت للكثير من رجال الأعمال والخليجيين المحبّين لهذا البلد، لكنّ الحقيقة أنّني لست مطمئنًا. النية موجودة، والمحبة لا تتغيّر، لكن غياب الحد الأدنى من الاستقرار الأمني يجعل من قرار السفر تحدّيًا لا رغبةً”.

بعد التمعّن في مقاربة الحبتور، قمت بجولة اتصالات استطلاعية على أعضاء الشريحة المُرتبطة بموسم الاصطياف الخليجي متسائلًا ما إذا كانوا قد تلقّوا اتصالات من زبائنهم يطلبون منهم تحضير بيوتهم.

“يتصلون، ويسألون، ويستفسرون عن الوضع الأمني، ولكنّهم لا يطلبون تحضير المبنى والحديقة”، قال رمزي، وكيل إحدى الفيلات في قضاء عاليه. وأضاف: “أوصوني أن أبقى مقيمًا في غرفة الناطور حفاظًا على المبنى، وكانوا يحوّلون لي مبلغ شهري لتأمين بدل تدفئة إضافة إلى راتبي.. الله يهدّي البال”.

مواطن سوري صاحب فرن معجّنات شاهدته يحمّل مفروشات منزله في شاحنة، سألته عن السبب قال: “العيلة رح ترجع عالبلد والأولاد بيروحو على المدرسة مجانًا هونيك، وهون بلبنان ببقى أنا بانتظار إذا رح يرفعوا إيجار المحل”.

وأضاف أمجد: “أخي استرجع الأرض يللي كان مصادرها النظام، وبيقولوا رح يوزعوا بذار ويعطوا قروض لحفر آبار وشراء جرّارات، شكلو الرزق مأمّن ببلادنا، الله يفرجها على كل العالم”.

يبدو أن موضوع الاستثمار بديلًا من القروض منتشر في دول الخليج وسط اعتقادٍ أنّه سيُعتمد في سوريا أوّلًا لذلك تعمل شركات خليجية للمشاركة مع شركات أميركية للدخول في مناقصات الحصول على عقود استثمار في سوريا.

يقول مصرفي لبناني يعمل في إحدى الدول الخليجية إنّ تنشيط المصارف السورية أسهل من تنشيط المصارف اللبنانية “أقلّه لأن علاقاتها الخارجية كانت مضبوطةً بفعل العقوبات الأميركية سواء عقوبات عام 1979 أو عقوبات “قيصر” عام 2020″.

ويضيف المصرفي اللبناني الذي أكّد أنه لن يحضر لتمضية عيد الأضحى مع أهله في بيروت تجنّبًا “للـ.س. والـ.ج. بعد العودة عن المصارف التي تتعامل مع الحزب، وخصوصًا مع القرض الحسن التي تشكّل أكبر تهديد للقطاع المصرفي كونها تعتمد التعامل النقدي”.

بالمقارنة يتبيّن أن العقوبات الأميركية أصابت الشعب السوري والفساد الأسدي هدم قيم المجتمع اللبناني.

فمتى سيحقّق لبنان “الإنقاذ” المؤجّل كي يستحق الإصلاح الموعود؟!.

محمد سلام - هنا لبنان

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا