سُنّة لبنان وهواية المعارك الخاسرة
كيف لسُنّة لبنان أن يشعروا بخطر محدِق يهدّدهم وكأنّهم لم يدركوا أنّ دمشق قد تحرّرت، وأنّ شابّاً دمشقياً اسمه أحمد الشرع يجلس في قصر المهاجرين، وكأنّهم لم يسمعوا ذاك الطفل في مدينة حمص وهو يطلق بحماسة ذاك النشيد “يا إيران جنّي جنّي بدوا يحكمنا سنّيّ”.
كيف لسُنّة لبنان أن يتصرّفوا كأقلّيات مهدّدة بالإبادة بسبب عضو مجلس بلدي من هنا، أو مختار زقاق من هناك، كأنّه لا أجهزة تلفاز في منازلهم يشاهدون عليها كيف أنّ قبلتهم السياسية والدينية استضافت قبل أيّام الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصاغت معه مستقبل الشرق الأوسط وقد تحرّر من الهلال الوهميّ والمشاريع التدميرية الخلّبيّة؟
الفزعة السُّنّيّة؟
هل سُنّة لبنان بحاجة إلى الانتخابات البلديّة كي يثبتوا وجودهم في المعادلة الوطنية؟ مَن ذاك النابغة الذي أوحى لهم أنّ تهديداً مصيريّاً يحوم حولهم في انتخابات مجلس بلديّ في بيروت لا صلاحيّات له، ومخاتير باتوا جزءاً من نوستالجيا الزمن الجميل، فارتفعت بينهم نداءات الفزعة لحماية الوجود والهويّة والدين في بيروت؟
بات سُنّة لبنان، والعلم عند الله، يهوَوْن الهزائم والمعارك الخاسرة والرهانات الفاشلة المستحيلة. ينقادون خلف عواطفهم وشعارات الجدران التي ما أوصلت جماعة يوماً إلّا إلى المجهول. تراهم لم يبارحوا 26 تموز 1956 عندما أعلن جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس، أو يوم 25 حزيران 1967 حين خرج الشارع المصري مستنكراً استقالة ناصر صارخاً “حنحارب حنحارب”.
لم يكن سُنّة لبنان في لحظة معافاة سياسية ومجتمعيّة أفضل من هذه اللحظة التاريخية. سقط الحصار الذي كان مضروباً حولهم وحول حواضرهم الكبرى بقاعاً فبيروت وانتهاء بطرابلس عاصمة الشمال. كان الخروج من لبنان برّاً كابوساً سُنّيّاً مخيفاً بسبب خشية الاعتقال من عصابات الأسد عند الحدود، أو من الأجهزة الحليفة له في لبنان عند الرجوع. التهمة ليس من الصعب إيجادها: داعشيّ إرهابيّ من أنصار “القاعدة”، أو حتّى من عبدة الشيطان.
يتحرّك سُنّة لبنان اليوم كما يشاؤون عبر الحدود وفي الداخل، فنشيد “ارفع راسك فوق..” لم يعد نشيداً سوريّاً بل بات نشيداً جماعيّاً عابراً لكلّ الحدود.
من يعتقل السُّنّة؟
عند كلّ استحقاق من يسعى إلى تحويل السُّنّة إلى ما يشبه خزّان وقود، لزوم محرّكاته الشخصيّة وأوهامه الفرديّة وحساباته الضيّقة التي لا تجد من يصرفها في أيّ مكان وزمان.
هناك من يمسك سُنّة لبنان ليفاوض عبرهم على العودة إلى دائرة القرار، وهو المدرك أنّ زمن المعجزات انتهى وأنّ مُلكاً أضاعه كالأطفال لا يمكن البكاء عليه كالنساء، كما قالت تلك المرأة لآخر أمراء الأندلس قبل أن يغادر غرناطة تاركاً كلّ الأمجاد.
من قال إنّ سُنّة لبنان بحاجة إلى زعيم. من قال إنّ كلّ الطوائف في لبنان تبحث عن زعيم. العالم تغيّر والأجيال الجديدة باتت تفكّر بشكل مغاير. لا وجود في ذاكرتها وقاموسها لمفردة زعيم. الأجيال الصاعدة بحاجة إلى مؤسّسات ومشاريع. تبحث عن المشروع الذي يقودها إلى عالم الأحلام وتحقيق المستحيل، إلى رؤية تقنعها أن ليس مِن مستحيل.
سُنّة لبنان لا يبحثون عن عنوان للزعيم. لقد سبقوا كلّ الطوائف بالتحرّر من ذلك. خاضوا الكثير من الاستحقاقات دون زعيم ونجحوا فيها. انتخبوا المفتين وانتخبوا نوّاباً لهم في البرلمان، وشاركوا في العديد من الحكومات. اجتازوا المراحل الأولى للتغيير والمرحلة الأخيرة قادمة بعد سنة بالتمام والكمال في الانتخابات النيابية.
زياد عيتاني - أساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|