بلديّات الجنوب: إلى النّيابة دُرْ!
ستُشكّل خاتمة الانتخابات البلدية في الجنوب، يوم السبت، تدشيناً فعليّاً لمرحلة الانتخابات النيابية بعد عام تماماً. ستَبني الكثير من القوى السياسية استراتيجية خوضها معركة النيابة بناءً على بعض الأرقام التي يصعب تجاوز دلالاتها السياسية. لكنّ الجنوب في البلديّة، كما النيابة، هو أهمّ ملعب سيخوض من خلاله “الحزب” استحقاقاته المقبلة، في ظلّ واقع دولي-داخلي، غير مسبوق، ضاغط لتسليم سلاحه، ومسوِّق لمشروع إعادة الإعمار وفق دفتر شروط. هذا ما قد يُفسّر سعي الثنائي الشيعي، في المرحلة الراهنة، إلى الفوز بمعظم بلديّات الجنوب، تماماً كما في بعلبك – الهرمل، بالتزكية تمهيداً لـ “أخذ نَفَس” قبل “المعركة الكبرى” صيف 2026.
بخلاف المراحل الثلاث السابقة، يُزنَّر الاستحقاق البلدي في محافظتَي الجنوب والنبطية بهواجس أمنيّة حقيقية زادت من وتيرتها الاعتداءات الإسرائيلية المكثّفة في الأيّام الماضية في العمق الجنوبي، التي قد تؤثّر بشكل كبير على نسب التصويت حتّى داخل مراكز اقتراع بعيدة نسبياً عن منطقة الخطر الحدودية، كما في صور والنبطية.
وفق معلومات “أساس” لم تتوقّف مساعي الجانب اللبناني الرسمي، عبر الطرف الأميركي خصوصاً، وممثّلي الدول الأعضاء في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار، للجم إسرائيل عن القيام بأيّ عمل عدائي في يوم الانتخاب يُمكن أن يؤثّر على سير العملية الانتخابية، سيّما أنّ العديد من كوادر “الحزب” قد يظهرون بشكل علني للمشاركة في التصويت.
آخر الاعتداءات استهداف إسرائيل لعنصر من “الحزب”، يوم الثلاثاء، في منطقة المنصوري، وعنصر آخر أمس، في عين بعال في قضاء صور، البعيدة نسبياً عن المنطقة الحدودية.
حتّى يوم أمس كان عدّاد البلديّات الفائزة بالتزكية في الجنوب، للوائح حركة أمل و”الحزب”، قد تجاوز 45 بلدية في لبنان الجنوبي (صيدا، صور، جزّين والزهراني) من أصل أكثر من 140 بلديّة، من ضمنها بلدات شهدت معارك قاسية خلال الحرب الإسرائيلية كالخيام وميس الجبل ومارون الراس ويارون، وأكثر من 20 بلديّة في محافظة النبطية من أصل 88، ويمكن أن يرتفع العدد قبل الساعات الفاصلة عن وقف استقبال طلبات انسحاب المرشّحين يوم غد الجمعة. الفوز بالتزكية، بالنسبة لـ”الحزب” تحديداً، بدا شبيهاً بمعركة الفوز بالمجالس البلدية عبر معركة الأصوات في الصناديق، ورسالةً سياسيةً باحتفاظه بورقة الأرض، وتخفيفاً من ثقل المواجهات بين العائلات والضغط المادّيّ عليه.
بين صور والنبطيّة
من أكثر المعارك، التي تحمل دلالات سياسية ولم تَلفحها رياح التزكية، تلك التي تجري في مدينة صور التي تشهد مواجهة غير متكافئة بين لائحة كاملة من 21 عضواً مدعومة من الثنائي الشيعي، الذي فشل في مسعى التوصّل إلى لائحة توافقية، وبين لائحة المعارضة “صور مدينتي” التي تضمّ عشرة مرشّحين. وقد أعادت حركة أمل، في أحد معاقلها، تسمية حسن دبوق لرئاسة البلديّة للمرّة الثالثة على التوالي، فيما طال التغيير 11 عضواً من المجلس البلدي السابق. ترتدي المعركة هنا، بالنسبة للمجتمع المدني، طابع إثبات الوجود، أكثر ممّا هي مواجهة “واعِدة”، وتمثّل بروفا للانتخابات النيابية المقبلة.
في مدينة النبطية لائحة مكتملة للثنائي الشيعي من 21 عضواً، وبعد انسحابات متتالية، في اللائحة المقابلة “النبطية تستحقّ الحياة”، نتيجة الضغوطات، رسا العدد على 12 عضواً، إضافة إلى بعض المرشّحين المنفردين.
توزّع الأعضاء في لائحة “التنمية والوفاء” كما جرت العادة: 11 مرشّحاً لـ”الحزب”، بينهم الرئيس، وتسعة لحركة أمل بينهم نائب الرئيس، والعضو المسيحي الوحيد تمّ التوافق عليه. ولا يبدو أنّ المدينة تحمل طابع مواجهة قاسية في ظلّ واقع إنسانيّ أليم تمثّل باستشهاد رئيس بلديّتها السابق أحمد كحيل وعدد من أعضاء البلدية والموظّفين إبّان الحرب الإسرائيلية على لبنان.
مرجعيون
في المقابل، ترتدي المعارك في قضاء مرجعيون، خصوصاً البلدات المسيحية، طابع المنافسة العائلية كما في دير ميماس وبرج الملوك وجديدة مرجعيون وإبل السقي (دروز ومسيحيون)، والوزّاني (سنّة)، فيما القليعة قريبة من إعلان التزكية بعد التوصّل إلى لائحة توافقية. أمّا في القرى الشيعية، وحيث لم تنجح المساعي التوافقية أو التزكية، فالمعارك عائلية مع صبغة حزبية، وتحتدم فيها المواجهات من أجل المخاتير.
معركة جزّين
بين التزكية والفوز المتوقّع للوائح “أمل” و”الحزب” في البلدات الكبرى، الذي يُعزّزه تكثيف الاعتداءات الإسرائيلية ومسلسل الاغتيالات، مع محاولات من جانب عائلات ومستقلّين وقوى اليسار وخصوم الثنائي لتحقيق اختراقات وإثبات الوجود في المجالس البلدية، تدور المعركة ذات النكهة السياسية الصرف في مدينة جزّين وبعض قرى القضاء.
انتقل فعليّاً الصراع الباسيليّ – القوّاتيّ الذي تلحّف بتحالف المحادل، كما في جونية مثلاً، أو توافقات الأمر الواقع كما في البترون وبيروت، أو المواجهة المباشرة كما في المتن، إلى معركة “رأس برأس” في مدينة جزّين التي تشهد منافسة حامية بين لائحة مدعومة من التيّار الوطني الحرّ والنائب السابق إبراهيم عازار، برئاسة ديفيد حلو، ولائحة أخرى مدعومة من “القوّات اللبنانية” برئاسة بشارة عون. هنا يمكن بالتأكيد، بناء على النتائج، رصد القوّة التجييرية للفريقين، التي تأتي على كعب انتصار ساحق لـ”القوّات” في زحلة.
بعد ضربة سياسية قاسية تلقّاها النائب جبران باسيل عبر خسارة تمثيل التيّار النيابي في الانتخابات النيابية الماضية، والخلافات العاصفة بين قيادات التيّار، خصوصاً النائبين السابقين أمل بو زيد وزياد أسود ورئيس البلدية الحالي خليل حرفوش، يخوض باسيل معركة إبقاء بلديّة جزّين، للدورة الثالثة على التوالي، بيد التيّار، لكن للمرّة الأولى عبر التحالف مع إبراهيم عازار الذي استقبل باسيل في منزله في جزّين قبل نحو عام.
“القوّات”
لم يصمد طويلاً سعي بعض الأفرقاء الجزّينيّين، وبينهم عازار، إلى تشكيل لائحة توافقية، ففُرِزت جزّين بين لائحتين. قادت المفاوضات لاحقاً إلى التوافق على اسم ديفيد حلو لرئاسة اللائحة المدعومة من التيّار، وهو خيار سبق أن طرحه النائب السابق زياد أسود، المفصول من “التيّار”، لرئاسة اللائحة التوافقية. ستلقي الاعتبارات العائلية بثقلها على معركة جزّين، وأسود داعمٌ لديفيد حلو لا للائحته، ولذلك لم تعرف وجهة مناصريه بعد.
أمّا “القوّات” فتسعى حتماً لنصرٍ في القلعة التي وُصِفت دوماً بالعونيّة، قبل نكسة 2022. مع العلم أنّ “القوّات” تحالفت مع التيّار في انتخابات 2016 البلديّة. لا شكّ أنّ المعركة الكبرى على رئاسة اتّحاد بلديّات جزّين ستحدّدها النتائج في قرى القضاء، بعد سيطرة عونيّة عليه منذ سنوات طويلة. وقد أعلن رئيس الاتّحاد خليل حرفوش عدم ترشّحه في الانتخابات البلدية هذا العام، “إيماناً منّي بمبدأ المداورة، ولأسباب شخصية ومهنيّة”.
ملاك عقيل -اساس
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|