زراعة "البترول الأخضر" تعود شرعية ... هاني: الهيئة الناظمة للقنّب على السكة
يعود مشروع التحول نحو الزراعات البديلة، وتحديدا زراعة نبتة القنّب الصناعي والطبّي، الى الضوء من جديد، بعد سبات طويل غير مفهوم، وبعدما علق اللبنانيون وخصوصاً مزارعو البقاع وسهل عكار عليه آمالاً كبيرة.
يمكن وضع القنّب أو "الحشيش"، الذي يُعدّ لبنان ثالث أكبر مصدّر له في العالم، بعد المغرب وأفغانستان (وفق تقارير للأمم المتحدة)، في خانة أعرق المزروعات اللبنانية، التي بقدر ما أصابت لبنان في سمعته وتوازنه الاجتماعي والزراعي، شكل على مدى عقود أحد الموارد الأساسية غير الشرعية، لشريحة كبيرة من سكان محافظتي بعلبك الهرمل، وبعض مناطق عكار.
وبعدما أنتجت المحاولات الحزبية والنيابية "قانون تشريع زراعة نبتة القنّب الطبّي في لبنان"، في نيسان عام 2020، بقي القانون دون تنفيذ، بالرغم من العائدات المغرية المتوقعة على الاقتصاد الوطني، التي قدّرتها شركة "ماكنزي" بـ4 مليارات دولار من المبيعات السنوية.
الجدوى الاقتصادية لزراعة القنّب؟
تشير دراسات حديثة الى أن تربة لبنان ومناخه يوائمان جداً زراعة "البترول الأخضر" كما يسمّيها البعض، بالإضافة إلى أن القنّب لا يحتاج الى مياه الري بكثرة، أسوة بالمزروعات الأخرى.
وتلفت الدراسات عينها إلى تطور التصنيع الطبّي لنبتة القنّب، حيث باتت تُستعمل في إنتاج الزيوت والمستحضرات الطبية على اختلافها، إضافة الى تـصنيع الأدوية والمسكنات.
وتحولت، لكثرة وتنوّع استخداماتها، إلى إنتاج صفر نفايات، وهو ما دفع البعض إلى اعتبارها من النباتات الصديقة للبيئة، فيما تلفت الدراسات إلى أن زراعتها في الخيم البلاستيكية، تؤدي إلى إنتاجية أعلى، ونسبة أكبر من الزيوت، بما يزيد من ربحيتها وعائداتها الاقتصادية.
العبرة والربح الأكبر يبقى في صدق الدولة، وفي قدرتها على ضبط زراعة القنّب، وعدم تحول لبنان مجدداً، مرتعاً للزراعات الممنوعة، ومعبراً لتصدير "الحشيش" إلى الخارج، والأهم هو التحدي في منع المتاجرة محلياً بها "للكيف" والترف الشخصي، والسماح للعصابات و"المدعومين" بتحقيق الثروات من نشر آفة الإدمان بين الشباب اللبناني.
وتقود وزارة الزراعة مبادرة استراتيجية لدمج نبتة القنّب الصناعي والطبّي (Cannabis sativa) ضمن رؤية وطنية شاملة ترتكز على الاقتصاد الحيوي والعدالة البيئية والاجتماعية. المبادرة تلقى دعماً ومتابعة مباشرة من رئيس الحكومة نواف سلام الذي أعلن خلال زيارته محافظة البقاع الأوسط عن إطلاق مسار تشكيل الهيئة الوطنية للقنّب، بهدف تحويل هذه الزراعة من اقتصاد قاتل إلى مورد طبي.
وعزا وزير الزراعة الدكتور نزار هاني التأخير في المباشرة في مشروع زراعة "القنّب" إلى تأخر تشكيل الهيئة الناظمة المسؤولة عن تنظيم كامل العملية، بدءاً من آلية تقديم الطلبات، مروراً بإجراءات الزراعة، وصولاً إلى المراقبة والتقييم.
أما التأخير في تشكيلها فيعود جزئياً وفق ما قال لـ"النهار" إلى "غياب الأولوية السياسية لهذا الملف خلال الحكومات المتعاقبة منذ عام 2020 حتى اليوم"، لافتاً إلى أن تشكيلها وضع على السكة حالياً "الخطوة الأولى هي تعيين أعضاء الهيئة الناظمة، واختيار مديرها العام، الذي سيرفع اسمه إلى مجلس الوزراء للموافقة عليه، وفق آلية يرجّح أن تمر بسلاسة".
في ما يخص التحضير لمشروع زراعة القنّب من أراضٍ، ومعدات، ولوازم، فهي من مسؤولية الهيئة الناظمة، توقع هاني أنه "إذا سارت الأمور كما هو مخطط له، فستباشر عملها خلال شهر. وبذلك، سيكون الموسم الزراعي المقبل منظماً وفق الآلية التي ستضعها الهيئة".
وكشف عن "استراتيجية شاملة عن أنواع المزروعات المناسبة وآلية تنفيذ المشروع، كما ثمة تواصل مع شركات دوائية مصنعة (pharmaceutical companies) مهتمة بتصنيع الزيوت والمستحضرات الطبية المستخرجة من نبتة القنّب".
وعلى الرغم من أن المشروع المتكامل قد يتطلب بين عامين إلى ثلاثة أعوام، يعتبر هاني أنه "سيمثل محركاً اقتصادياً واعداً، خصوصاً أن نبتة القنّب ملائمة جداً للظروف المناخية المتغيرة التي نشهدها حالياً، إذ إنها لا تحتاج إلى كمّيات كبيرة من المياه، وتتناسب مع طبيعة الأراضي في مختلف المناطق اللبنانية، لا فقط في البقاع الشمالي كما يشاع".
وفي السياق، تجري الوزارة سلسلة مشاورات مع الجهات العلمية والبيئية لتنظيم الأطر القانونية، وتحديد المناطق النموذجية للتجربة، مع الأخذ في الاعتبار المعايير الصحية والبيئية الدولية.
وفي هذا الإطار، أعد الخبير البيئي الدكتور داني فاضل، دراسة عن نبتة القنّب الطبّي التي تُعدّ من الحلول الزراعية المتكاملة، لكونها تحقق فوائد متعددة في آن واحد. فالقنّب وفق ما يقول فاضل يعزز خصوبة التربة عبر جذوره العميقة، ويسهم في إعادة تأهيل الأراضي المتدهورة، كما يشكل حاجزاً طبيعياً ضد الأعشاب الضارة، ويقلل الحاجة إلى المبيدات، بما يدعم نهج الإدارة المتكاملة للآفات (IPM).
وبحسب معطيات الدكتور فاضل العلمية، يظهر القنّب قدرة عالية على التكيّف المناخي، إذ ينمو في بيئات متنوّعة ويحتاج إلى كميات قليلة من المياه، ما يجعله خياراً مثالياً للمناطق الهشة بيئياً. كما يتمتع القنّب بقدرة ملحوظة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون تصل إلى 15 طناً للهكتار سنوياً، ما يجعله أداة مهمّة في التخفيف من آثار التغيّر المناخي.
سلوى بعلبكي - "النهار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|