رفع العقوبات عن سوريا: نافذة أمل لاقتصاد لبنان؟

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب من العاصمة السعودية الرياض الثلاثاء رفع العقوبات المفروضة على سوريا، بعد مشاوراتٍ مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. قرارٌ لا يقتصر تأثيره على الداخل السوري فقط، بل يطال بشكلٍ مباشرٍ الجار اللبناني الذي يتقاطع معه سياسيًا واقتصاديًا ونقديًا منذ عقود.
وإذا كان التداخل بين دمشق وبيروت قد شكّل عبر التاريخ رافعةً أو عبئًا لكلا البلدين تبعًا للظروف، فإنّ هذا التطوّر الجذري يضع لبنان أمام مفترق اقتصادي مهم، يحمل في طيّاته فرصًا كبيرة وتحدياتٍ لا تقلّ أهمية.
لبنان وسوريا: ترابط اقتصادي مزمن
منذ نشوء الدولتيْن، يشكّل الاقتصادان اللبناني والسوري ما يشبه الكتلة المتداخلة. تقاطع العملات، التجارة، المصارف، وحتى أسواق النقد، جعل لأي أزمة في دمشق صدىً في بيروت، والعكس صحيح. فحين دخلت سوريا مرحلة الحرب في العام 2011، لم يتأخّر لبنان في التقاط التداعيات، بدءًا من النزوح السكاني وصولًا إلى الاضطرابات المالية.
رفع العقوبات اليوم، يُعيد تحريك هذا الترابط من بوّابة الأمل. فعودة سوريا إلى المشهد الاقتصادي الإقليمي تعني للبنان أكثر من مجرّد جار خرج من العزلة. إنّها فرصة لبناء علاقة اقتصادية تكاملية، شرط أن تواكبها بيروت بإصلاحات داخلية جديّة.
المصارف اللبنانية: العودة إلى السوق السورية؟
دخلت المصارف اللبنانية السوق السورية منذ العام 2004، وسرعان ما أصبحت لاعبًا أساسيًا فيه، متحكّمةً بنحو نصف القطاع المصرفي الخاص. ميزات عدّة ساعدت على هذا الانتشار: الجغرافيا القريبة، الثقافة المشتركة، وسمعة المصارف اللبنانية كملاذٍ آمن.
غير أنّ العقوبات الدولية، ولا سيما “قانون قيصر”، أجبرت تلك المصارف على تقليص وجودها أو تغليفه بإجراءاتٍ شكليّةٍ، مثل فصل الميزانيات بين لبنان وسوريا. ومع ذلك، لا تزال المصارف اللبنانية تملك أصولًا في السوق السورية تقارب المليار دولار.
اليوم، ومع رفع العقوبات، يُفترض أن تعود المصارف إلى نشاطها الطبيعي هناك. إلّا أنّ هذا “الرجوع” لن يكون أوتوماتيكيًّا، بل يحتاج إلى عوامل عدّة كإعادة هيكلة المصارف اللبنانية، واستعادة ثقة المودعين، والتخلّص من الخسائر المتراكمة.
سوق الدولار المشترك: من الضغط إلى الانفراج؟
في السنوات الأخيرة، شكّلت الأسواق السورية عامل ضغطٍ على الدولار في لبنان، فبسبب شحّ العملات الأجنبية في دمشق، لجأ عدد كبير من التجار السوريين إلى السوق اللبنانية لتأمين حاجاتهم من الدولار، ما فاقم الأزمة النقدية.
رفع العقوبات من شأنه تقليل هذا الطلب السوري على الدولار في لبنان، وفتح المجال أمام تدفّق عكسي للعملة الصعبة من الخارج إلى سوريا، مع احتمال أن يستفيد لبنان من جزءٍ منها، عبر تحويلات أو تعاون مصرفي أو مشاريع مشتركة.
لكن كما يؤكد الخبير المصرفي محمد فحيلي، في حديث لموقع “mtv”، فإنّ “أي تفاؤل يجب أن يكون مشروطًا بتحوّل القرار الأميركي من نيّة إلى تطبيقٍ فعلي، وترافقه بإصلاحاتٍ لبنانيةٍ تعيد تفعيل النظام المالي”.
فرص اقتصادية للبنان: من الشركات إلى التصدير
خارج القطاع المصرفي، يبدو القطاع الخاص اللبناني متأهّبًا للاستفادة من هذا التطوّر. فشركات المقاولات، والمصدّرون، والمؤسسات التجارية، بات بإمكانها التفكير جديًا بالعودة إلى السوق السورية، بعد سنوات من العزلة.
رفع العقوبات يعني سهولةً في فتح الاعتمادات، وتحويل الأموال، واستعمال القنوات المصرفية الرسمية بدلًا من النقد الورقي، ما سيُعيد النشاط التجاري بين البلديْن إلى سابق عهده. وبحسب فحيلي، فإنّ “الشركات اللبنانية يمكن أن تبدأ التفاوض مع نظيراتٍ سورية لتقديم خدمات وإعادة البناء، وهو ما يعزّز دور لبنان كمركز خدمات إقليمي”.
ملف اللاجئين السوريين: هل يتحرّك الجمود؟
من أبرز البنود المتصلة بالواقع اللبناني، مسألة اللاجئين السوريين الذين يفوق عددهم المليون في لبنان. طوال سنوات، رُبطت عودتهم بتوافر ظروفٍ ملائمةٍ في الداخل السوري، أبرزها الأمن والاقتصاد.
اليوم، قد يشكّل رفع العقوبات بداية انتعاش اقتصادي سوري يفتح أبواب العودة أمام قسم من اللاجئين. فإذا شهدت سوريا نموًّا، وخلقت فرص عمل، وتحسّنت الخدمات، فقد يكون ذلك حافزًا للعودة الطوعية.
ومع ذلك، يجب الحذر من الإفراط في التفاؤل. فالعقوبات ليست العامل الوحيد الذي منع العودة، بل أيضًا السياسات السوريّة، والضمانات الأمنية، والبنى التحتية المدمّرة.
مخاوف مشروعة وتحديات قائمة
على الرَّغم من الإيجابيات المتوقعة، لا يخلو هذا التطور من تحديات وعقبات. أبرزها:
• استمرار الأزمة المالية في لبنان، ما يحدّ من قدرته على التقاط الفرص.
• ضعف المؤسسات الرقابية اللبنانية، ما قد يعزّز التهريب بدلًا من التجارة الشرعية.
• المخاطر السياسية المرتبطة بالموقف الأميركي أو عودة العقوبات.
• هشاشة الثقة الدولية بالمصارف والمؤسسات اللبنانية.
كما أنّ المصارف اللبنانية، وحتّى الشركات، تحتاج إلى فترةٍ تحضيريةٍ طويلةٍ قبل الانخراط من جديد في السوق السورية.
فرصة لن تتكرّر… فهل يستفيد لبنان؟
من الواضح أنّ رفع العقوبات الأميركية عن سوريا ليس تفصيلًا سياسيًا عابرًا، بل هو تحوّل كبير في الخريطة الاقتصادية للمنطقة. ولبنان، بحكم قربه الجغرافي والعلاقات المتجذّرة، يقف على عتبة مرحلة يمكن أن تكون إنقاذية إن أُحسن إدارتها.
لكن على بيروت ألّا تكتفي بدور “المتلقّي”. فالفرص لا تنتظر طويلًا، وقد لا تتكرّر. المطلوب اليوم رؤية اقتصادية واضحة، وإصلاحات داخلية جذرية، وتفعيل أدوات السياسة المالية والنقدية، من أجل الانخراط في مرحلةٍ جديدةٍ قد تنقل البلد من الركود إلى الحراك… ولو تدريجيًا.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|