أحزاب لبنان أمام امتحان الإصلاح وفق قاعدة "لو دامت لغيرك فلما وصلت إليك"...
غريبة عجيبة فعلاً، هي أحزاب لبنان المشغولة كلّها بخوض الانتخابات البلدية والاختيارية بالتحالف مع بعضها البعض في مناطق معينة، وذلك رغم اتهامها لبعضها البعض بالفساد وبتخريب لبنان.
إصلاحات داخلية
وغريبة عجيبة جداً، بعض أحزاب لبنان التي تؤكد أنها لا تخوض الاستحقاق البلدي والاختياري، وأنها على مسافة واحدة من جميع المرشحين في هذه المنطقة أو تلك، وذلك قبل أن تنصرف بعد انتهاء الاستحقاق في هذه المحافظة أو تلك، الى إعلان انتصارها، أو حتى الى "التنمير" على الأحزاب الأخرى بالقول إن هذه المنطقة أو تلك أثبتت أنها "لنا" وليس "لكم"... وهكذا دواليك... والى تعداد الفوز بالتزكية الذي حققته هنا أو هناك.
طبعاً، يسمح كل ما سبق ذكره للأحزاب اللبنانية، ببدء نسج أحلامها بشأن المستقبل، وتحديداً في كل ما يتعلق بالانتخابات النيابية العام القادم، لا سيما بالنسبة الى تلك (الأحزاب) التي تُمسِك بـ "حبال الهوا" بعد سنوات من سياساتها التي ساهمت بخراب لبنان السياسي والاقتصادي والمعيشي والأمني. ولكن من يطالب أحزاب لبنان بإصلاح أروقتها، وما في داخلها، وما لديها، في أزمنة الإصلاحات العالمية؟
جيل جديد
نذكر في هذا الإطار، أنه في بلد كالولايات المتحدة الأميركية، التي هي أكبر قوة عالمية بحسب البعض، أو من بين أكبر القوى العالمية بحسب البعض الآخر، لا شيء مفتوحاً على المستوى السياسي العام والحزبي الخاص، فيما يخضع كل شيء لضوابط كثيرة، قانونية وغير قانونية، رسمية أو غير رسمية، بشكل يسمح بإجراء تحديثات وإصلاحات داخلية مستمرة.
ومن بين آخر الأمثلة على ما سبق ذكره، هو أن عودة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن الى الظهور الإعلامي بين حين وآخر، تثير ردود فعل غاضبة بين عدد من الديموقراطيين أنفسهم.
فبعضهم يفضّل ابتعاد الرئيس السابق عن الأضواء والساحة السياسية، وتقاعده بشكل نهائي، إفساحاً في المجال لجيل جديد من قادة الحزب، ومنعاً لإعادة فتح جراح إخفاقاته السابقة المتكررة التي ساهمت بخسارة الحزب الديموقراطي رئاسياً في 2024، وبعودة الرئيس دونالد ترامب الى "البيت الأبيض".
وتؤكد معطيات واضحة أن هناك امتناناً ديموقراطياً لا بأس به تجاه بايدن، انطلاقاً من أمور كثيرة حقّقها خلال ولايته الرئاسية، ولكن بموازاة تَوْق ديموقراطي عام لخروجه من دائرة الأضواء كلياً، بما يُتيح ترميم صورة الرئيس الديموقراطي الضعيف التي تسبّب بها، وإظهار قادة ووجوه ديموقراطية جديدة للمستقبل، وإفساح المجال لجيل جديد من الديموقراطيين.
"موديل" 2025...
صحيح أن الغوص التام في ما سبق ذكره قد لا يكون "صحياً" تماماً، إذ لا يمكن تجاهل الاستفادة من خبرات الأجيال القديمة في داخل كل حزب أو دولة، ومن حنكتهم... في كثير من المجالات والأحيان، خصوصاً خلال الحقبات التي تشهد متغيرات جذرية، أو نقلات نوعية من عصر الى آخر. ولكن إصلاح الأحزاب داخلياً، وإفساح المجال لوصول أكبر عدد ممكن من الأجيال الجديدة الى أعلى المناصب الحزبية، أو حتى الى رئاسة الأحزاب التي تنتمي إليها وتتلقى تثقيفاً سياسياً وحزبياً مستمراً فيها، هو نقطة تحوّل أساسية ومهمة على طريق التجديد الحزبي، وإعادة إحياء أي حزب أو حركة أو تيار...، بعيداً من التوريث السياسي، أو من الصورة النمطية لرئيس يكرّر نفسه، ويستنسخ حكمه من جيل الى جيل بـ "حاشية" تتكرر هي نفسها مع بعض التغييرات الطفيفة أحياناً. فتجديد الأحزاب جذرياً بدمائها الجديدة، هي إصلاحات أساسية، تمنع تحويل هذه العائلة أو الشخصية السياسية أو تلك، الى سيارة "موديل" 1920 مثلاً، يُعاد تفكيكها وإدخال إضافات جديدة إليها بين مدة وأخرى، بما ينسجم مع المتغيرات المحلية والعالمية، لتُصبح "موديل" 1975 أو 1990 أو 2000 أو 2015 أو 2025...
تجديد الذات
فإفساح المجال أمام رئاسات جديدة جوهرياً، داخل كل حزب أو تيار أو حركة، هو خطوة أولى على طريق التعبير عن ثقة الحزب بمحازبيه كلّهم، واعترافه بأن السلطة ليست امتيازاً خاصاً لأحد، وبأن توسيع دائرة المسموح لهم بالوصول الى رئاسة الأحزاب التي ينتمون إليها، هو نقطة مهمة على طريق تجديد الذات.
فالى اللبنانيين الحزبيين، تمعّنوا بما في أروقة أحزابكم، وتوقّفوا ولو قليلاً لتسألوها عن المعايير التي تعتمدها في أمور كثيرة. فالإصلاحات الداخلية مهمة جداً، وهي غير ممكنة أبداً، إلا إذا توسعت دائرة المسموح لهم بالإمساك بأعلى المناصب، وبرئاسة الحزب نفسها، بالملموس، لا بالكلام فقط.
فمن يحتاج الى النار يُمسكها بيدَيْه، بحسب المثل الشائع. ومن ينادي بإصلاح بلده، لا يخاف من ممارسة إصلاحات حزبية داخلية، ستعلّمه في يوم من الأيام أنه "لو دامت لغيرك فلما كانت وصلت إليك"...
أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|