محليات

التفاهم السياسي الجديد في الانتخابات البلدية تمهيد لإعادة رسم المشهد النيابي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

شكّلت الانتخابات البلدية والاختيارية الأخيرة، التي جرت في محفظات جبل لبنان ولبنان الشمالي وعكار، مناسبة لاختبار أثر التفاهم السياسي الجديد الذي بدأ يتبلور مع انتخاب رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وتشكيل حكومة الرئيس نواف سلام.

 فقد بدا واضحا أن هذا التفاهم الذي أنهى مرحلة الفراغ السياسي وأعاد شيئا من الانتظام إلى المؤسسات الدستورية، انعكس بدرجات متفاوتة على تركيبة التحالفات المحلية وهدوء العملية الانتخابية، ما يفتح الباب أمام استشراف تداعياته على الاستحقاق الأهم المرتقب: الانتخابات النيابية.

في الانتخابات البلدية، ظهرت مؤشرات ملموسة على وجود تفاهمات غير معلنة في العديد من المناطق، سمحت بتمرير المجالس البلدية بالتزكية أو بتنافس مضبوط تحت سقوف سياسية محددة. لم يكن ذلك ليحصل لولا وجود رغبة مركزية لدى القوى الأساسية بتجنب الاشتباك المباشر، في مرحلة يُراد لها أن تكون انتقالية نحو تهدئة سياسية داخلية، واستقرار نسبي مطلوب محليًا ودوليًا. هذه الروح التوافقية، وإن لم تكن شاملة أو علنية، تعكس وجود نية حقيقية لدى بعض الأطراف لإعادة رسم قواعد اللعبة، والحد من التوترات العبثية التي طغت على المشهد السياسي لسنوات.

أكثر من ذلك، شكّلت الانتخابات البلدية مختبرا تجريبيا لاختبار مدى قدرة هذا التفاهم على التمدد أفقيًا في المناطق، والتقاط نبض الشارع الذي يعيش حالة من الإحباط العام واللامبالاة. نسبة الاقتراع المتدنية، رغم كل المؤشرات السياسية الإيجابية، تؤكد أن المزاج الشعبي لم يعد يتأثر بسهولة بالحسابات السلطوية، بل يتطلب مقاربات أكثر صدقية وجدّية. ومع ذلك، فإن تمرير هذا الاستحقاق بهدوء، من دون خروقات كبيرة أو انقسامات عمودية حادة، يعتبر بحد ذاته مكسبًا للسلطة الجديدة، يمكن البناء عليه لإعادة الثقة بالمؤسسات.

في المقابل، تُظهر هذه التفاهمات البلدية ما يشبه "البروفة" الأولية لما قد يحصل في الانتخابات النيابية، إذا استمر هذا المناخ السياسي التوافقي. فإعادة فرز التحالفات، وإعادة ترسيم الخطوط السياسية، قد تؤدي إلى تشكيل لوائح أقل تصادمية وأكثر تقاربا في بعض الدوائر، خصوصا في ظل تراجع الحماسة الشعبية وخشية الأحزاب من خسائر في نسب التمثيل. كما أن العديد من القوى، التي كانت تستند إلى خطاب شعبوي في وجه الفراغ والانهيار، ستضطر إلى تغيير لهجتها وخطابها الآن بعدما أصبحت شريكة في السلطة التنفيذية.

في هذا الإطار، قد نشهد في الانتخابات النيابية المقبلة خريطة سياسية جديدة، أقل انقساما، لكنها ليست بالضرورة أكثر تمثيلا للشعب. فالتفاهمات، إذا بقيت في إطار تقاسم النفوذ من دون مقاربة جدّية للأزمات الوطنية الكبرى، قد تُعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها ولكن بثوب أكثر نعومة. أما إذا استُثمر هذا التفاهم لإعادة إحياء الحياة السياسية على أسس برامجية واقتصادية وتنموية، فإن الانتخابات المقبلة قد تحمل معها بارقة أمل حقيقية.

في النهاية، لا شك أن الانتخابات البلدية الأخيرة كشفت عن ملامح تغير في المزاج السياسي المحلي، لكنها في الوقت ذاته طرحت أسئلة جوهرية حول العلاقة بين السلطة والمجتمع، وأثبتت أن أي تفاهم سياسي، مهما بلغ من متانة، لن يكون كافيا لاستعادة ثقة الناس ما لم يُرفق بإصلاح فعلي، يبدأ من البلديات ولا ينتهي في البرلمان

داود رمال – "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا