سوريا.. حظر نشر أي محتوى يُحرض على الكراهية بعد تهديد لطلبة دروز
الوحوش الحديدية تحت الاختبار.. هل ولّى زمن الحاملات الأميركية؟
توصف حاملة الطائرات الأميركية "جيرالد فورد" بأنها أشبه بمدينة عائمة فوق سطح البحر، إذ تمثل الجيل الأحدث والأضخم من حاملات الطائرات في العالم، وواحدة من أبرز رموز التفوق العسكري الأميركي.
دخلت الحاملة الخدمة رسمياً في عام 2017، خلال الولاية الأولى للرئيس دونالد ترامب، الذي صعد على متنها مرتديًا سترة البحرية وألقى خطابًا حماسيًا، واصفًا إياها بأنها "رسالة للعالم تزن 100 ألف طن".
تُعد حاملات الطائرات عموماً بمثابة العمود الفقري للبحرية الأميركية، فهي قواعد جوية متحركة قادرة على إطلاق واستقبال عشرات المقاتلات، ما يمنح واشنطن قدرة هائلة على فرض نفوذها العسكري عبر البحار والوصول إلى مناطق النزاع حول العالم بسرعة وفعالية.
إلا أنه مع تقدم تكنولوجيا الأسلحة الهجومية بعيدة المدى، صارت مدن الحرب العائمة التي يتكلف تصنيعها مليارات الدولارات مهددة من قبل الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن والمسيّرات رخيصة الثمن، وهي أسلحة أصبحت الآن في متناول يد أعداء واشنطن.
هذا الأمر دفع وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث إلى التساؤل عن قيمة حاملات الطائرات، قائلًا في مقابلة أجريت معه في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إن 15 صاروخًا فرط صوتي بإمكانها إغراق 10 حاملات طائرات أميركية في غضون 20 دقيقة.
كانت تصريحات هيغسيث تشير إلى التهديدات التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة التي تعتبر رمزًا للفخر الوطني الأميركي، وبالتالي فإن فقدان واحدة منها في أي صراع قد يؤثر سلبًا على الفخر الوطني والمعنويات العسكرية ويعد ضربة قاصمة لأميركا، وهي مخاوف يشاركه فيها العديد من الخبراء العسكريين الذين جادلوا بأن عصر "حاملات الطائرات العملاقة" الذي كانت فيه الولايات المتحدة قادرة على بث الرعب في قلوب خصومها؛ قد أوشك على الانتهاء.
لكن، رغم هذه القدرات الكبيرة التي جعلت البحرية الأميركية متفوقة على منافسيها بمعدلات كبيرة، فإن تكلفة الحاملات الباهظة التي تقدر بمليارات الدولارات جعلت الصحفي العسكري المتخصص في العمليات الخاصة ستافروس أتلاماز أوغلو يناقش جدوى الاستثمار في حاملات الطائرات مستقبلًا، خاصة بعدما انهمك خصوم الولايات المتحدة في تطوير برامج صواريخ رخيصة الثمن وقادرة على استهداف الأصول البحرية وإغراق الحاملات، في خطوة يرى البعض أنها قد تغير مفاهيم الحروب البحرية مستقبلًا.
يطلق على هذا المفهوم اسم "سياسة المناطق المحظورة" (Anti access – Area denial)، وهي استراتيجية جديدة للحرب البحرية تتبعها بعض الدول بهدف جعل حاملات الطائرات العملاقة عديمة الجدوى، وذلك عبر تطوير قدرات الصواريخ الهجومية إلى درجة تمنع حاملات الطائرات من تنفيذ عمليات هجومية قرب سواحل الدول الأعداء، كما هو الحال عند السواحل الصينية، الأمر الذي يفقد حاملات الطائرات جزءا كبيرًا من قدراتها.
إلا أن هذه التهديدات لم تعد تتوقف عند حدود الدول الكبرى مثل روسيا والصين، بل تعدت ذلك لتشمل إيران والجماعات الصغيرة الناشئة مثل جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن.
في تطوّر لافت ضمن الصراع المتصاعد في البحر الأحمر، أعلن المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثيين، يحيى سريع، في نيسان الماضي عن استهداف حاملة الطائرات الأميركية "هاري ترومان" باستخدام طائرات مسيّرة وصواريخ، في هجوم وصفته واشنطن بأنه لم يسفر عن أضرار. وردت القيادة المركزية الأميركية بمقطع مصور نُشر عبر منصة "إكس"، يُظهر استمرار عمليات الطيران من على متن الحاملة بعد الهجوم، في محاولة لتأكيد جاهزيتها. إلا أن البنتاغون اتخذ خطوة احترازية بإعادة تموضع الحاملة خارج مدى الهجمات الحوثية.
هذا الحادث لم يكن الأول من نوعه، إذ سبق أن اقترب صاروخ حوثي في عام 2024 من إصابة حاملة الطائرات "آيزنهاور"، بينما تعرضت السفن الأميركية، الحربية والتجارية، لتهديدات متواصلة في البحر الأحمر منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، في إطار ما يُعرف بـ"جبهة إسناد غزة".
قائد المدمرة الأميركية "لابون"، إريك بلومبيرغ، وصف هذه المواجهات بأنها من "أقسى المعارك التي خاضتها البحرية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية"، وهو رأي يتقاطع مع تقييمات عدد من الخبراء العسكريين الذين يعتبرون أن العجز النسبي أمام صواريخ الحوثيين يمثل جرس إنذار، خاصة في حال مواجهة خصوم أكثر تطورًا كإيران أو الصين.
وفي السياق نفسه، لم تتأخر طهران في إطلاق تهديداتها، محذّرة من قدرتها على استهداف القواعد الأميركية بل وحتى إغراق حاملات الطائرات، وهو ما عبّر عنه قائد القوات الجوية الفضائية في الحرس الثوري، أمير علي حاجي زاده، واصفًا القواعد الأميركية في المنطقة بـ"الغرف الزجاجية" السهلة الكسر.
وتعليقًا على هذا المشهد، كتب المحرر المتخصص في الشؤون الأمنية، براندون ويتشرت، في ناشيونال إنترست، أن التهديدات
الإيرانية ليست مجرد كلام، بل تحمل في طياتها جدية استراتيجية، خصوصًا مع وصول الحاملة "كارل فينسون" لتعزيز الوجود البحري الأميركي إلى جانب "هاري ترومان". واعتبر ويتشرت أن حاملات الطائرات، التي لطالما كانت رمزًا للهيمنة الأميركية، باتت اليوم مطالبة بالبقاء على مسافة آمنة من مناطق النزاع، ما يقلص من فاعليتها ويضعف الرسائل الردعية التي طالما جسّدتها في السياسة الأميركية.
هل تحيل الصواريخ الفرط صوتية "حاملات الطائرات" إلى التقاعد؟
في كانون الأول 2023، أفادت بعض التقارير أن مختبرًا سريًا في الصين أجرى محاكاة لاستخدام قدرات الأقمار الصناعية والصواريخ الفرط صوتية في شن هجوم مسلح على سفن حربية أميركية، إذ تلقت الصواريخ الفرط صوتية الصينية الدعم من عدد من الأقمار الصناعية منخفضة المدار التي كانت متمركزة فوق السفن الأميركية، بعدما التقطت هذه الأقمار إشارات الرادار القادمة من السفن الأميركية واستخدمتها فيما بعد في إطلاق إشارات مماثلة لخلق ضوضاء خلفية ساعدتهم على إخفاء مواقع الصواريخ. وأشارت الورقة البحثية إلى أن قمرين صناعيين أو ثلاثة كانت كافية لمهاجمة حاملة طائرات أميركية.
كشفت المحاكاة الحاسوبية أنه بمجرد اقتراب الصواريخ بمسافة نحو 50 كلم من الهدف تكتمل مهمة التشويش الخاصة بالأقمار الصناعية، في الوقت ذاته تفعل أجهزة التشويش المحمولة على الصواريخ والتي تتسبب في إرباك رادارات العدو، حينها تبدأ الصواريخ مناوراتها النهائية في الوصول إلى الأهداف وتدميرها.
وبحسب ما نشرته "فوكس نيوز" الأميركية، استندت هذه الورقة البحثية إلى رادارات "إس بي واي- 1 دي" (SPY-1D) التي طورتها شركة لوكهيد مارتن، وهي رادارات شهيرة تستخدمها مدمرات البحرية الأميركية من طراز "آرلي بيرك".
ومع تزايد حدة التوترات بين واشنطن وبكين في الآونة الأخيرة وانخراطهما في صراع محموم لفرض السيطرة على المحيطين الهندي والهادئ، أشارت عدة تقارير إلى أن السيناريو المحتمل لاندلاع حرب بين الدولتين قد يتضمن تحليق قاذفة صينية غرب المحيط الهادئ، وإطلاق صواريخ فرط صوتية مضادة للسفن تغمر أنظمة الدفاع المتواجدة على سطح حاملة الطائرات الأميركية، مما يتسبب في إغراقها أو تعطيلها في أفضل تقدير.
تعمل الصين حاليًا على بناء قدرات صاروخية يمكنها ضرب القواعد العسكرية الأميركية غرب المحيط الهادئ وحتى جزيرة غوام، بما يشمل تطوير الصواريخ الفرط صوتية القادرة على إغراق حاملات الطائرات. هذا الأمر تناولته مجموعة من الباحثين في جامعة شمال الصين بدراسة نشرت في مايو/أيار 2023، أشاروا فيها إلى أن الصواريخ الصينية الفرط صوتية لا تمثل تهديدًا للأصول البحرية الأميركية فحسب، بل بإمكانها تدمير حاملة الطائرات الأحدث من طراز "جيرالد فورد".
تتميز الصواريخ الفرط صوتية عن الصواريخ الباليستية التقليدية بسرعتها التي تفوق سرعة الصوت بخمسة أضعاف أو أكثر، كما تعرف بقدرتها العالية على المناورة، حيث لا تتخذ هذه الصواريخ مسارًا قوسيًا في رحلة الطيران مثل الصواريخ الباليستية التقليدية، مما يُصعّب على أجهزة الرادار والأقمار الصناعية تتبعها، ويجعلها أكثر قدرة على المراوغة أثناء الطيران واختراق أنظمة الدفاع الجوي للعدو. وحتى اليوم لا تمتلك الولايات المتحدة أنظمة دفاعية قادرة على اعتراض وإسقاط الصواريخ الفرط صوتية المتقدمة.
ونجد على رأس منظومة الصواريخ الصينية التي تهدد الأصول البحرية الأميركية، مجموعة "دونغ فينغ" (Dongfeng) التي تعرف بالعربية باسم "رياح الشرق"، ومن بينها صاروخ (دونغ فينغ-27) المعروف باسم "قاتل حاملات الطائرات"، وكانت وزارة الدفاع الصينية قد كشفت عنه لأول مرة عام 2021، واعتبرته وسائل الإعلام سلاحًا قادرًا على تقليص الهيمنة الأميركية العالمية.
و"دونغ فينغ-27" هو صاروخ باليستي قادر على حمل مركبة انزلاقية تنفصل عنه وتنطلق نحو هدفها بسرعات تفوق سرعة الصوت، ويتميز هذا الصاروخ بمدى كبير يتراوح بين 5000 و8000 كلم، مع إمكانية التحليق على ارتفاعات منخفضة وتغيير اتجاهه، بما يُصعّب على أنظمة الدفاع الجوي تتبعه أو اعتراضه.
وفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2022 وأثناء فعاليات معرض الطيران والفضاء الدولي بمدينة تشوهاي، كشفت الصين لأول مرة عن صاروخ "كي دي-21"، الذي يعد من أخطر الصواريخ الفرط صوتية المضادة للسفن، وهو صاروخ "جو-أرض" يعرف بقدراته الهجومية المتقدمة، وتزيد سرعته عن 5 ماخ (والماخ وحدة قياس سرعة الصوت ويساوي 1225 كلم/ساعة)، إذ تصل سرعة الصاروخ في مرحلة عودته إلى الغلاف الجوي ما بين 8 و10 ماخ، بينما يتوجه نحو هدفه في المرحلة النهائية من الهجوم بسرعات تتراوح بين 4 و6 ماخ.
يعمل محرك هذا الصاروخ بالوقود الصلب، ويتراوح مداه التشغيلي ما بين 900 و1000 كلم، ويتميز برأس حربي قادر على اختراق الأهداف المحصنة في البر أو البحر. وقد صُمم ليكون قادرًا على تدمير حاملات الطائرات، هذا بالإضافة إلى قدرته على استهداف المقذوفات الهجومية المحمولة على سطح الحاملات.
كما تستخدم الصين في الوقت الحالي صاروخين أساسيين في الخدمة الفعلية لضرب الأهداف البحرية المتحركة مثل السفن، هما "دي إف-21 دي" الباليستي متوسط المدى والذي تصل سرعته إلى 10 ماخ، وصاروخ "دي إف-26″ بعيد المدى.
كل هذه القدرات مجتمعة جعلت بعض الخبراء العسكريين يجادلون بأن صواريخ الصين الفرط صوتية جعلت حاملات الطائرات الأميركية تبدو كتقنيات عسكرية متقادمة "عفا عليها الزمن"، وهو خطر يمتد إلى حد تهديد القواعد الجوية الأميركية، بحسب ضابط الغواصات الأميركي السابق، توماس شوغارت، الذي أشار في تصريح لصحيفة "بزنس إنسايدر" أن الجيش الصيني اختبر رؤوسًا حربية بإمكانها استهداف الطائرات الأميركية في القواعد الجوية.
وبهذه الوتيرة من التطور المتزايد للقدرات العسكرية، قد تنشر الصين في
المستقبل القريب مئات الصواريخ الباليستية المضادة للسفن القادرة على وضع السفن الحربية الأصغر حجمًا -مثل المدمرات- على قائمة أهداف بكين.
لكن المخاطر التي تحيق بحاملات الطائرات العملاقة لا تتوقف عند الصواريخ الفرط صوتية والصواريخ المضادة للسفن، ففي عام 2005، وخلال مناورة بحرية قرب سواحل ولاية كاليفورنيا الأميركية، تمكنت غواصة سويدية رخيصة الثمن من إغراق حاملة الطائرات الأميركية "رونالد ريغان" عدة مرات، وذلك عبر محاكاة افتراضية، حيث تمكنت الغواصة الصغيرة من اختراق شبكة الدفاعات الحصينة التي تحيط بالحاملة الأميركية من المدمرات والمقاتلات والطائرات المروحية، وهو ما اعتبره المسؤولون حينذاك خطرًا فعليًا يحيط بأكثر القطع البحرية تطورًا في الأسطول الأميركي.
هذا الأمر وضع زوارق الهجوم البحرية غير المأهولة والقوارب المسيّرة والمركبات ذاتية القيادة تحت سطح الماء ضمن نطاق هذه التهديدات، ففي أي هجوم محتمل بإمكان قوات العدو -بالتزامن مع الضربات الجوية- استخدام الزوارق المسيرة وإطلاق مجموعة من الطوربيدات من غواصات الديزل الكهربائية التي تعمل بهدوء في أعماق المحيط، وذلك لاختراق المساحات الآمنة التي تتواجد فيها حاملات الطائرات الأميركية واستهدافها.
وبالتوازي مع ذلك، فتحت الطائرات المسيرة الباب أمام نوع جديد من التهديدات لم يكن موجودًا من قبل، إذ ينظر إليها الخبراء العسكريون باعتبارها أحدث ظاهرة عسكرية قادرة على تغيير مستقبل الحروب، وبالفعل قلبت الطائرات المسيرة موازين اللعبة في كثير من الحروب والنزاعات الإقليمية التي اندلعت في السنوات الأخيرة، وعلى رأسها الحرب الأوكرانية وحرب اليمن والحرب السورية، ما نتج عنه اتجاه العديد من دول العالم نحو استثمار مليارات الدولارات في هذه الصناعة، لا سيما وأنها توفر قدرات استطلاعية وإمكانات قتالية من خلال "المسيرات الانتحارية" بأسعارٍ زهيدة، الأمر الذي جعلها سلاحًا رائجًا حتى بين الدول المتواضعة والجماعات المسلحة.
أما الأكثر إثارة للانتباه فكان ما أشارت إليه التقارير من أنه يمكن لضربتين من طائرة مسيرة رخيصة الثمن أن تعطل أو تغراق حاملة طائرات تبلغ كلفة بنائها وتشغيلها وتجهيزها 13 مليار دولار، وهو ما دفع مراسل "بي بي سي" البريطانية في جنوب شرق آسيا، جوناثان هيد، إلى التساؤل في تقريرٍ له، عما إذا كان من الحكمة في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاستثمار بمليارات الدولارات في آلة حرب واحدة يمكن تدميرها في غضون دقائق من بداية الصراع بسلاحٍ لم يتجاوز ثمن تصنيعه بضعة آلاف من الدولارات.
حاملات الطائرات والمستقبل الغامض
في آب 2021، ناقش مدير الأبحاث في برنامج السياسة الخارجية بمؤسسة "بروكينغز"، مايكل أوهانلون، مسألة الإنفاق الدفاعي الأميركي مع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الأميركي، آدم سميث، وأثناء الحوار سأل أوهانلون عن مستقبل حاملات الطائرات العملاقة ومدى قدرتها على الصمود في ظل التهديدات المتزايدة للأسلحة المتطورة الحديثة، خاصة أن القوات البحرية أصبحت أكثر ميلا إلى إبقاء حاملات الطائرات على مسافات آمنة في البحار والمحيطات.
أجاب سميث حينذاك بأنه حتى مع بقاء الحاملات على مسافات آمنة، ستظل تعمل كقاعدة عسكرية متنقلة قادرة على نقل الطائرات المقاتلة إلى أقرب نقطة ممكنة من ميدان المعركة، وهو أمر يضمن بقاءها في الساحة على الأقل في الوقت الحالي، رغم ذلك فإن تكلفتها العالية بحسب سميث- قد تدفع إلى إعادة تقييم فائدتها مستقبلًا، والبحث عن طرق أخرى للاقتراب من ميدان المعركة دون دفع 12 مليار دولار، قيمة بناء الحاملة الواحدة.
يعود الجدل حول جدوى حاملات الطائرات إلى بداية ظهورها قبل قرن من الزمان، إذ يرى مؤيدوها أنها ليست مجرد سفن ضخمة، بل تمثل قواعد عسكرية عائمة تبحر على سطح الماء وقادرة على حشد أسراب الطائرات المقاتلة والإبحار بها إلى أي مكان في العالم، ويقولون إنه حتى تتطور التكنولوجيا إلى درجة تسمح للطائرات المقاتلة بالتحليق لمسافات بعيدة دون الحاجة للتزود بالوقود، ستظل حاملات الطائرات آلة حرب قوية لا غنى عنها لتحقيق الردع في المناطق البعيدة.
في الوقت ذاته، يشكك النقاد في قدرة حاملات الطائرات على الصمود في حرب واسعة النطاق مع عدو متقدم مثل روسيا أو الصين، مشيرين إلى أن الخطر الذي تتعرض له هذه السفن المسطحة العملاقة أصبح أشد وطأة من أي وقت مضى، كما يُفقدها البقاء على مسافات آمنة كثيرًا من قدراتها ويجعل الطائرات المقاتلة بعيدة عن مداها، وبالتالي من الأفضل إنفاق هذه المليارات على تطوير تقنيات عسكرية أحدث.
لهذا السبب دعا الضابط السابق في القوات الخاصة بالجيش الأميركي، ستيف باليستريري، في مقالٍ نشره موقع "1945" في مارس/آذار الفائت، إلى التوقف عن بناء المزيد من حاملات الطائرات، والاكتفاء بالحاملات 11 التي تمتلكها الولايات المتحدة، قائلًا إن عصرها شارف على الانتهاء، وإذا كانت هذه السفن العملاقة ما زالت تحتفظ بهيبتها في منطقة الشرق الأوسط، فلن تستطيع الصمود -بحسبه- في حرب طاحنة بمنطقة المحيط الهادئ.
وفي نهاية مقاله، طرح باليستريري تساؤلًا عن مصير قرابة 80 أو 90 طائرة مقاتلة في حالة غرق إحدى حاملات الطائرات الأميركية التي تعمل بمثابة مطار متنقل.
في هذا السياق، اقترح الباحث في مشروع الصين التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، ماثيو فونايول، أنه في ظل التحديات الحالية يمكن اللجوء إلى حلول بديلة، مثل استخدام حاملات أصغر حجمًا وأقل تطورًا ومحدودة التكلفة.
نفس الأمر كان قد أشار إليه الصحفي العسكري ستافروس أتلاماز أوغلو، قائلًا إن بإمكان البحرية الأميركية الاستثمار في سفن أصغر وأقل تكلفة تكون قادرة على حمل عدد محدود من الطائرات المقاتلة، خاصةً أن خسارة واحدة من هذه السفن الصغيرة لن تكون بمثابة خسارة حاملة طائرات عملاقة.
لكن تبقى المعضلة الأساسية أن السفن الصغيرة لن تستطيع أن تحل محل حاملات الطائرات من حيث القوة النارية والتأثير العملياتي، ويرى مراسل البي بي سي، جوناثان هيد، أن تقليص حجم حاملات الطائرات سيحد من إمكانياتها بحيث لن تصبح قادرة إلى على حمل وإطلاق المروحيات والطائرات المؤهلة للهبوط والإقلاع بشكلٍ عمودي، وهو ما سيسفر عنه بناء سفن أصغر أكثر عرضة للخطر.
كما حاجج النائب آدم سميث أصحاب هذه الرؤى قائلًا إن حاملات الطائرات لو كانت بالفعل أمست تقنيات عسكرية قديمة الطراز، لما انهمكت الصين في إنفاق المليارات من أجل تشييد حاملة طائرات متقدمة.
مع ذلك، لا تزال هناك إشكالية قائمة بخصوص كيفية استخدام حاملات الطائرات مستقبلًا، يشير سميث إلى أن آلات الحرب العملاقة هذه بحاجة إلى التكيف مع التهديدات الناشئة للأسلحة الفرط صوتية وغيرها من وسائل الحرب الحديثة، وذلك عن طريق تزويدها بأنظمة غير مأهولة وأنظمة بعيدة المدى، كما اقترح ضرورة العمل على تطوير طائرات مقاتلة بعيدة المدى، والبحث عن طرق لتزويد الطائرات الشبحية الأميركية بوقود كاف يمكنها من التحليق لمسافات طويلة والوصول إلى أهدافها بنجاح، مما يقلل الاعتماد على حاملات الطائرات.
وفي كل الأحوال هناك حاجة ملحة -بحسب سميث- لمراجعة ميزانية التكاليف الخاصة بالفئة الجديدة من حاملات الطائرات "جيرالد فورد"، والعمل على تجنب التكاليف الزائدة في سفن "فورد" المستقبلية التي من المقرر أن تستبدل بها البحرية الأميركية حاملات الطائرات المنتشرة على نطاق واسع من طراز "نيميتز".
وفي إطار العمل على إيجاد حلول بديلة لمواجهة هذه التحديات، تعمل البحرية الأميركية على تطوير دفاعات قادرة على اعتراض الصواريخ الفرط صوتية، وذلك رغم أنها عملية معقدة وتحتاج إلى قدر كبير من التوقع التكتيكي.
من بين هذه الوسائل كان العمل على تطوير صواريخ اعتراضية فائقة السرعة لديها قدرة أكبر على المناورة، وتطوير رادارات بعيدة المدى وقدرات استشعار أكثر قوة، بما يشمل التتبع في الفضاء عبر مجموعة من الأقمار الصناعية، حيث تسعى الولايات المتحدة في الوقت الحالي إلى تصميم طبقة جديدة من أجهزة استشعار الأقمار الصناعية يُتوقع وضعها في مدار أرضي منخفض (LEO)، حتى تكون قادرة على تتبع مسار الطيران الكامل لحركة الصواريخ الفرط صوتية. لكن تبقى الطريقة الأكثر فعالية في التصدي لهذا الخطر هي تدمير منصات أسلحة العدو قبل أن تبدأ بالإطلاق.
في الوقت ذاته، بإمكان أنظمة الحرب الإلكترونية أن تساهم في تشويش اتصالات العدو ومنع وصول تحديثات المواقع إلى منصات الإطلاق الرئيسية على البر.
هذا بالإضافة إلى إمكانية تحسين أنظمة الليزر على متن السفن الأميركية لمواجهة الصواريخ الفرط صوتية، ومنها تكنولوجيا الأسلحة الموجهة بالطاقة (DEW) والتي تشتمل على أشعة الليزر العالية الطاقة إلى جانب الأشعة الصوتية والموجات المليمترية وأشعة الموجات الدقيقة (ميكروويف) العالية الطاقة؛ والتي تشكل معًا أسلحة كهرومغناطيسية هائلة ورخيصة الثمن.
تستخدم القوات البحرية كذلك بعض الوسائل الفعالة لحماية نفسها من هجمات الزوارق المسيرة، مثل الحواجز والشبكات، إلى جانب التمويه الذي يعمل على إخفاء اتجاه السفينة وسرعتها، مما يربك مشغلي المركبات البحرية المسيرة.
ومن أجل التصدي لمخاطر الطائرات المسيرة حديثة العهد، هناك طريقتان رئيسيتان يمكن اتباعهما، الأولى تحييد المسيّرات بالأسلوب المتعارف عليه في إسقاط الطائرات المعادية التقليدية عن طريق الصواريخ الموجهة، وهي الطريقة الأكثر شيوعًا رغم تكلفتها الباهظة، حيث تبلغ تكلفة الصاروخ الواحد مليوني دولار لاعتراض طائرة مسيرة يتراوح ثمنها بين 2000 إلى 20 ألف دولار بحدٍ أقصى.
والثانية تتمثل في استخدام محطات التشويش وأنظمة الحرب الإلكترونية المتقدمة القادرة على اختراق برامج التحكم في المسيّرات وتحديد مواقعها بدقة فائقة، وفي بعض الأحيان تتمكن القوات من إجبار المسيرات على السقوط وتفجير نفسها أو الهبوط والاستيلاء عليها، ومع ذلك تبقى هذه الطريقة ضعيفة نسبيًا.
وفي سبيل حماية حاملة طائراتها الأحدث "جيرالد فورد"، نشرت البحرية الأميركية في أبريل/نيسان 6 مدمرات صواريخ موجهة من طراز "آرلي بيرك" وزودتها بأنظمة مصممة خصيصًا لاعتراض الطائرات المسيرة، وهي أنظمة "كويوت" و"رود رانر" التي تستخدم مسيّرات اعتراضية لاستهداف مسيّرات العدو وإسقاطها. وتعد هذه الأنظمة منخفضة التكلفة مقارنة بالصواريخ الموجهة المضادة للطائرات والتي تستخدمها سفن البحرية الأميركية وحلف الناتو في مياه البحر الأحمر لمواجهة المسيرات الحوثية.
وفي ضوء كل هذه الاعتبارات، يبدو أن حاملات الطائرات العملاقة ستظل باقية على الساحة لسنوات قادمة، رغم تصريحات وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث بشأن توجيه الأولوية في المستقبل نحو بناء السفن، وما أثارته تلك التصريحات من تساؤلات عما إذا كانت وزارة الدفاع الأميركية ستقلص الميزانية الخاصة بصناعة وتطوير حاملات الطائرات، إذ يرى جوناثان هيد أن الرئيس دونالد ترامب المعروف عنه ولعه بالمظاهر والمشاريع الباذخة؛ لن يتخلى بهذه السهولة عن أحد رموز الهيمنة العسكرية الأميركية، وذلك بغض النظر عن الجدل الاقتصادي الدائر حولها.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|