الغضب يتصاعد جنوباً… هل ينفد صبر "حزب الله"؟
يتأرجح لبنان هذه الأيام فوق خط زلزال سياسي أمني، وتضعه الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية لبيروت أمام معادلة خطيرة: إلى متى يمكن لـ"حزب الله" التمسّك بضبط النفس، وإلى متى يمكن للدولة اللبنانية الاكتفاء بدور المراقب؟
المفارقة الكبرى أنّ "حزب الله"، رغم التزامه المعلن بقرار 1701، يدرك جيّداً أنّ هذا الالتزام ليس بطاقة ضمان في وجه العدو الإسرائيلي الذي يستمرّ بخرق القرار بشكل يومي، ومع ذلك، يبدو "الحزب" حتى اللحظة ملتزماً بسقف قرار مركزي صارم من قيادته العليا بعدم الانزلاق إلى مواجهة شاملة، مدركاً أنّ أيّ خطوة غير محسوبة قد تكون بمثابة إشعال فتيل حرب لا يريدها أحد في هذه المرحلة.
لكنّ هذا الهدوء النسبي لا يعني غياب التوتر، فالبيئة الحاضنة للحزب بدأت تضيق ذرعاً بهذا "الصبر الاستراتيجي"، وسط تصاعد مشاعر الغضب من الخروقات الإسرائيلية التي باتت تُقرأ من قبل كثيرين استفزازاً متعمّداً هدفه جرّ "الحزب" إلى ساحة مواجهة مفتوحة.
وفي هذا السياق يُطرح سؤال جوهري: ماذا لو انزلقت الأمور بفعل مبادرة ميدانية غاضبة فقد أصحابها القدرة على التحمّل؟
تؤكد مصادر مطّلعة على آليات عمل "الحزب" أنّ مثل هذا السيناريو غير وارد على الإطلاق، إذ لا وجود لأي انقسام داخلي أو قرارات ميدانية فردية، لافتة الى أنّ القرار العسكري في "حزب الله" مركزي بالكامل، والقيادة هي الجهة الوحيدة المخوّلة تحديد متى وكيف وأين يتم الردّ، ما يجعل فرضية الانفلات من القرار السياسي والعسكري الرسمي خارج الحسابات الواقعية.
من جهة أخرى، يلوح سؤال داخلي لا يقلّ أهمية، ويتركّز حول دور الدولة اللبنانية. ففي الوقت الذي يُراكم فيه اللبنانيون أحلامهم على موسم سياحي واعد، تواصل الحكومة غيابها المدوي، تاركة المسرح مفتوحاً أمام كل السيناريوهات. كذلك فإنّ اللجنة الخماسية، والتي يُفترض بها لعب دور الضامن، تبدو حتى الآن غارقة في مواقف عامة لا تترجم إلى ضغط فعلي لوقف الاعتداءات.
مما لا شكّ فيه أن عناصر الاستفزاز لا تقتصر على الخارج، ففي الداخل اللبناني أيضاً، لا يقلّ المشهد تعقيداً، إذ إنّ الخطابات السياسية المتشنّجة، والمزايدات الشعبوية ومحاولات شدّ العصب الطائفي والمذهبي، كلها عوامل تساهم في تسعير الأجواء وتأجيج الهواجس، سيّما وأنّ بعض القوى السياسية لا تتردد في استثمار التوترات الإقليمية لتحقيق مكاسب داخلية ضيقة، سواء عبر المزايدة في الخطاب السيادي، أو عبر توجيه سهام الاتهامات نحو خصومها.
هذا المشهد الداخلي الهشّ يتقاطع مع حالة من الانقسام الشعبي، حيث تعيش شرائح واسعة من اللبنانيين في قلق دائم، موزّعين بين هواجس أمنية متفاقمة ومخاوف اقتصادية خانقة، وسط غياب شبه تام للثقة بالدولة ومؤسساتها. والأخطر من ذلك، أنّ بعض الأصوات الداخلية باتت تلعب دور الصدى للاستفزازات الخارجية، فتكرّس الانقسام بدل احتوائه، وتحوّل الخلاف السياسي إلى شرخ وطني. وهكذا، بدل أن يكون الداخل اللبناني جبهة موحّدة في مواجهة العدوان، يغدو ساحة مفتوحة للتراشق السياسي، تُضعف الموقف الوطني وتُضاعف منسوب الهشاشة في مواجهة أيّ تصعيد إقليمي. وفي مثل هذا المناخ، تصبح احتمالات الانزلاق إلى مشهد أكثر قتامة، شبه حتمية، ما لم تُبادر القوى السياسية إلى التهدئة وما لم تستعد الدولة دورها كمرجعية قادرة على ضبط
الإيقاع الداخلي، بدل ترك الحبل على غاربه للقوى المتصارعة.
الأكيد أنّ "حزب الله" بعد "جبهة الإسناد" ليس كما قبلها، فالضربات القاسية التي تلقاها جرّاء العدوان الإسرائيلي الأخير أعادت رسم حساباته الميدانية. لكنه، رغم كل شيء، ما زال يمتلك ترسانة عسكرية لا يُستهان بها، وقاعدة دعم صلبة، وخبرة تراكمت عبر سنوات من المواجهة. غير أنّ استمرار التعويل على صبره من دون معالجة جذور الأزمة يهدّد بانفجار قد يكون مكلفاً للجميع.
يقف لبنان اليوم عند مفترق بالغ الخطورة. فإما أن تُبادر الدولة إلى استعادة دورها، وتضغط القوى الدولية لكبح جماح التصعيد، وإما أن يبقى المشهد رهينة معادلة مرشّحة للانفجار مع أول شرارة. وعندها، لن يكون لأحد القدرة على ضبط ساعة الصفر.
ايناس كريمة -"لبنان 24"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|