محليات

لبنان والتطبيع المحظور

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وكأنّ الزمن لم يمض قيد أنملة! وكأنّ لا شيء تغير.. فها هو لبنان يعيد إنتاج الأنماط السياسية نفسها التي اعتقدنا أنّ الزمن قد عفا عليها! الكذب الممنهج بات قاعدة في الحياة السياسية والديمقراطية تُقدَّم على طبق من زيف.. مفرغة من أي مضمون.. كل ذلك في مشهد سياسي مضلل يُعطل أي محاولة جدية للإصلاح أو المصالحة، وهما أمران ضروريان حكماً لإنقاذ البلاد.

اللعبة السياسية محكومة بقواعد مزيّفة وتراها مرآة لفساد طبقة أوليغارشية لا تكترث إلا بتحصين مواقعها وحماية امتيازاتها وتوسيع شبكاتها الزبائنية، مع استمرار ارتباطها بمحاور تمارس سياسة الهيمنة الإقليمية. وعلى الرغم من انتهاء مرحلة “الفاشية الشيعية”، لم يطرح الطريق نحو السلام أو الإصلاح كبديل قطّ، بل استمرّت المناورات والسياسات الملتوية والعدائية.

حتى أن خطاب الرئيس الجديد لم يتجاوز سياق الوعود المكررة، فيما كشف بيان الحكومة تناقضاتها الداخلية وافتقارها لأي انسجام أو توافق على برنامج عمل مشترك. وهذا ما عرّى هشاشة بنيتها السياسية واعتمادها على التحايل والالتفاف لتجاوز خلافاتها البنيوية.

المعضلة الجوهرية تكمن في غياب الحد الأدنى من التوافق بين مكوّنات السلطة التنفيذية، وافتقارها إلى أرضية مشتركة أو قنوات حقيقية للتنسيق أو آليات الحوار الفعّالة لتنفيذ السياسات العامة. وهذا ما يعيق تحقيق مهمتها الأساسية: استعادة السيادة اللبنانية.

والمفارقة أنّ شرعية هذه السلطة تعود بنسبة كبيرة للمتغيرات الإقليمية، وأبرزها الرد الإسرائيلي على التمدد الإيراني، والتراجع الحاد في “المسارح العملياتية” التي استغلتها طهران. وعلى الرغم من ذلك، تتشبث هذه السلطة بأداء يتسم بإنكار مزدوج: أيديولوجي واستراتيجي.. وكأنّ بها تتجاهل الواقع بالكامل.

واليوم، تقابل الفرصة التي أتيحت للبنان عبر رعاية دولية للخروج من عقود من التبعية، بسياسات تهرب ومواقف شعاراتية جوفاء، ترفض مواجهة التحديات الجوهرية كنزع سلاح حزب الله وإنهاء الحكم الموازي والتحرر من الارتهان للخارج. هذا مع التذكير بأنّ الهدنة التي ترعاها واشنطن تنص صراحة على استعادة الدولة لاحتكار القوة وإنهاء الفراغ الأمني وتطبيق القرارات الدولية واسترجاع السيادة الكاملة والدور الدبلوماسي اللبناني.

بيد أنّ الفجوة الكبيرة بين المبادئ المُعلنة والواقع على الأرض تطرح تساؤلات جدية حول قدرة الدولة على إعادة بناء نفسها. فطالما أنّ القوى المسيطرة تتغذى على الأوهام وتتلطى خلف الخطابات الزائفة، سيبقى أي مشروع لإحياء الدولة محكوماً بالفشل.

لبنان اليوم على مفترق طرق حاسم.. وعلى شفير فقدان فرصة تاريخية للانتقال نحو دولة حقيقية. لا يمكن بناء مستقبل سليم في ظل الأيديولوجيات المغلقة والنوايا المبيتة والممارسات السياسية الفاسدة. ومع استمرار التأزيم السياسي وغياب الإرادة للإصلاح، تنزلق البلاد نحو صراع مفتوح..ومن يدري؟ ربما نحو الإنفجار!

كما أن الرقابة الأيديولوجية والانغلاق السياسي يقطعان الطريق أمام أي تحرك دبلوماسي يعبّد طريق التهدئة أو الحل ويمهدان لبقاء البلاد رهينة عنفٍ متجدد وسرديات صراعية متشابكة. ومع ذلك، ترتكز الهيمنة المستمرة لما يُعرف بـ”الفاشية الشيعية”، على خطاب تصادمي وعلى مصالح إقليمية متنازعة في سياق دولي غير مشجع.

إنّ إنقاذ لبنان يتطلب اليوم وأكثر من أي وقت مضى، انتقالًا سياسيًا ناجحًا. لكن هذا الانتقال لا يزال بعيد المنال مع عجز الدولة عن استعادة هيبتها ومكانتها وعن استرجاع إرثها الديمقراطي والليبرالي وما تبقّى من مقومات دولة القانون. كما تفرض العوائق البنيوية في الثقافة السياسية والممارسات الأوليغارشية وصراعات الشرعية والسيادة، محظورات تحول دون أي تحول فعلي. أما على المستوى الإقليمي، لا يبشر تصاعد التوترات في مشهد شرق أوسطي مشتعل بنزع فتيل الأزمات أو بالتخفيف من حدّة الاستقطابات. ومع ذلك، لا يجوز التغاضي عن انعكاسات النزاعات المزمنة، وما تتركه من آثار عميقة وطويلة الأمد في بنية الدول والمجتمعات.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا