وزير الدفاع أدلى بصوته: حتى الآن لم يسجل أي حادث أمني او إداري
هل تصل الفتنة السورية إلى خطوط التماس الطائفي اللبناني؟
لم يكن كلام رئيس وزراء إسرائيل، بنيامين نتنياهو، عابرًا عندما تحدّث عن إنشاء مناطق أمنية في لبنان وسوريا. كل ما تفعله إسرائيل، من غزة إلى سوريا مرورًا بلبنان، يثبت حقيقتها التوسعية التي لا يمكن أن تتحقق إلا بمحاولات تأجيج الفتن بين شعوب المنطقة. وإزاء ما تشهده سوريا من تطورات دراماتيكية تنذر بالتوسع وتهدد المنطقة بأسرها، باتت كل أجزائها مترابطة، لا سيّما أن نتنياهو يسعى إلى ربط القطاع الشرقي بالجنوب السوري لعزل المقاومة ومحاصرتها في لبنان.
لم تبقَ المخاوف ممّا يحدث في سوريا خارج لبنان. فالأحداث الدموية التي تشهدها كلّ من جرمانا وصحنايا، تجاوزت الحدود، وقد دخلت عمق الساحة اللبنانية وأصابت تداعياتها طوائف متشابهة.
عندما يتحدّث المواطن الدرزي في الشوف عمّا يواجهه دروز سوريا، يقول بتعبيرٍ مؤثر: "شو عم يعملوا فينا؟"، ما يعبّر عن امتدادات لبنانية مباشرة لما يحدث في سوريا. فالمسألة لا تتعلّق فقط بالقرب الجغرافي، بل بالتداخل في الانتماءات الدينية، ما يطرح تساؤلات حول مدى تحصين لبنان، وكيف له أن يصمد في وجه كل هذه المخاطر الإسرائيلية. ومن يضمن ألّا تمتد الفتنة السورية إلى المناطق اللبنانية التي تشهد تماسًا طائفيًا بين السنّة والدروز، لا سيّما على الحدود الشرقية؟
ترانسفير قسري
في الجنوب، تسببت إسرائيل بتهجير سكاني واسع، حيث منعت الشيعة من العودة إلى قراهم وبلداتهم، وخلقت منطقة عازلة خالية من السكان، كأنها تسعى لفرض ترانسفير قسري لسكان القرى الحدودية، كما فعلت في غزة.
في السياسة، تبرز أحادية في الحراك. يتحرّك رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي السابق، وليد جنبلاط، منفردًا، وكوكيل عن الدروز، من دون أن يكون الحدث على الأراضي اللبنانية. وعندما يكون الفعل بهذه الطريقة، فإن التحرك لا يكون انطلاقًا من موقع الدولة، بل من موقع الزعامة الطائفية، ما يدلّ على أن الانتماء المذهبي يسبق الانتماء الوطني.
ما حصل مع الدروز هو ذاته ما حصل مع العلويين، الذين لم يجدوا دولة تحميهم، فلجؤوا إلى "حزب الله" وسيفعله المسيحيون. وجنبلاط يبدو كأنه يتعامل مع الأمر الواقع في سوريا لحماية الدروز هناك، فقط لأنه درزي، حتى وإن كان في لبنان.
كل ذلك يجري في ظل صمت دولي مدوٍّ، كأن الدول الكبرى تترك المؤامرة تمرّ من دون عرقلة، بينما يطلق نتنياهو تصريحات تصبّ في صلب تأجيج الفتن داخل البلد الواحد. قال إنه لن يقف مكتوف الأيدي إذا تعرّض الرئيس السوري المؤقت، أحمد الشرع، للدروز، في محاولة لمنح المعركة بُعدًا طائفيًا بين السنّة والدروز، وهو ما يسعى إليه.
وكان لافتًا موقف المتحدثة باسم الخارجية الأميركية، تامي بروس، التي نبّهت إلى أن الطائفية "لن تحقق شيئًا سوى إغراق سوريا والمنطقة في بحرٍ من الفوضى ومزيد من أعمال العنف"، داعية إلى "تشكيل حكومة مستقبلية تمثيلية تحمي وتدمج جميع أطياف المجتمع السوري، بما في ذلك الأقليات الإثنية والدينية". إلا أن هذا الموقف بقي عابرًا، لا يُبنى عليه، في ظل تساهل دولي ينبئ بالأسوأ، مع تدخل دولي لدول عديدة لحماية الطوائف.
تهديد البنية السورية
نحن أمام مستقبل مجهول يهدد بنية الدولة السورية، في مواجهة شراسة إسرائيلية مفتوحة على كل الاحتمالات.
مشهد ضحايا جرمانا ينذر بمخاطر وجودية كبرى، اقترب منها جنبلاط درزيًا، ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل مسيحيًا، بإبداء تخوفه على مصير المسيحيين في سوريا. يبدو أن ما يجري مرسوم بعناية ودقة في المنطقة. بدأت الحكاية في السابع من أكتوبر في غزة، وتفاقمت مع اغتيال إسرائيل لأمين عام "حزب الله"، السيد حسن نصر الله، وما تلاه من أحداث واغتيالات.
فكيف يمكن للحكومة اللبنانية والعهد أن يتعاملا مع الواقع السوري ومخاطره التي تهدد بالتمدّد إلى لبنان؟ وكيف يمكن ردع إسرائيل التي تفرض شروطها لوقف العدوان، والانسحاب، وإعادة الإعمار؟ وماذا لو انفجر الاقتتال الطائفي؟ من سيعالج تداعياته على المدى البعيد؟
الخوف الذي يسيطر على الأقليات المسيحية والدرزية في سوريا ليس حدثًا عابرًا. وتصريحات بعض الذين دعوا طيارين إسرائيليين إلى استهداف من يتعرّض للدروز، هو موقف كان يُعدّ في الظروف الطبيعية تطبيعًا مع إسرائيل. أما الآن، فقد أصبح الخوف هو الدافع الأساسي، ما يجعل اللجوء إلى العدو يبدو مبرّرًا في نظر البعض. حين يغيب دور الدولة، يصبح الخوف على الوجود طائفيًا، وتطفو مخاوف الأقليات على السطح، ما يعزز الخطاب الطائفي، وهو بالضبط ما تريده إسرائيل. هي تريد التعامل مع طوائف خائفة على مصيرها، تستنجد بها أو بالخارج لحمايتها.
علاقة لبنان بسوريا
المشهد يرعب المسيحيين في سوريا، الذين لا يجتمعون في جغرافيا واحدة، بعكس الدروز والعلويين. نحن نعيش عصر تفاقم المخاوف الوجودية للأقليات، ما يؤدي إلى تأجيج الغرائز.
في علاقة لبنان بسوريا، انتقلنا من خلاف على الحدود أو تهريب السلع إلى مخاوف على وجود المسيحيين، والشيعة، والدروز، والعلويين. أصبح خطاب الخوف على الوجود هو الأساس. لم نعد نتحدث عن سوريا كدولة، بل عن "مسيحيي سوريا" و"دروز سوريا". باتت سوريا ساحة جغرافية تتفاعل فيها مجموعة من الجماعات الخائفة من بعضها البعض، وهذا هو تمامًا ما تصبو إليه إسرائيل.
لقد دخلت سوريا مخاضًا عسيرًا، وباتت مهدّدة بالتقسيم. والتطورات تنذر بأن شرارة الحرب الداخلية ستتطاير لتشعل مناطق عدّة داخل سوريا وعلى حدودها. ولن يكون دخول إسرائيل على الخط مستبعدًا، بحجج واهية، بينما هدفها واضح: تفتيت المنطقة.
غادة حلاوي- المدن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|