الصحافة

دروز سوريا… إسرائيل ومشروعها الديغوليّ

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في 11 تشرين الثاني 2024، أي قبل أكثر من أسبوعين على بدء هجوم “ردع العدوان” على ريف حلب، الذي قاده من كان يحمل اسم أبي محمّد الجولاني آنذاك على رأس “هيئة تحرير الشام”، وقبل 4 أسابيع من سقوط نظام بشّار الأسد في سوريا، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي، جدعون ساعر،‏ لمناسبة تسلّمه منصبه، ومن خارج أيّ سياق، أنّ “إسرائيل موجودة في منطقة هي أقليّة فيها، ولذلك تحالفاتها الطبيعية هي الأقلّيات الأخرى مثل الدروز في سوريا ولبنان، والأكراد في كلّ من سوريا والعراق وإيران وتركيا”. وأشار إلى ضرورة بناء “تحالفات قويّة مع التركيز على الأقلّيات الأخرى في المنطقة”.

لن نجد أوضح من هذا الكلام الصادر عن المؤسّسة السياسية الإسرائيلية في شأن ما تريده إسرائيل لسوريا من تفتيت له حيثيّاته في العقل الاستراتيجي الإسرائيلي. في المقابل، يمحض الوعد بالارتباط المصيريّ مع الأقلّيّات إسرائيلَ شرعيّة وجود في تقديم نفسها حامياً وضامناً لأمن مكوّنات هم من النسيج التاريخي والديمغرافي العريق في المنطقة وأصلاً بنيويّاً لحكاياتها. ولطالما، للمفارقة، كانت لإسرائيل علاقة ما، مطلوبة أو مفروضة، مع كلّ حركات ودعوات الانفصال عن دول المنطقة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.

تسعى إسرائيل إلى وضع أقليّات المنطقة تحت سقفها والتلاقي مع مظلوميّاتها، سواء تعرّضت تلك المكوّنات لمظلوميّات أو جرى استحداثها. والواضح أيضاً أنّ الحدث السوري يوفّر بيئة سياسية دولية حاضنة لتدخّل إسرائيل العسكريّ دفاعاً عن دروز سوريا. انتقلت وعود جدعون ساعر من المستوى الأيديولوجي إلى المستوى العمليّ مع فرض إسرائيل نموذج دعم قد يُغري مكوّنات أخرى تشكو سوء العلاقة مع المركز في دمشق.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أطلق الرئيس الفرنسي الراحل شارل ديغول تقويماً رأى فيه أنّ ألمانيا خطر تاريخي دائم بعدما “خاضت 3 حروب ضدّ فرنسا في حياة رجل واحد”. واعتبر حينها أنّ الحلّ يكمن في تفتيت هذا البلد وتقسيمه نهائياً. كان لديغول ما أراد، فتوزّعت تركة ألمانيا المهزومة على 4 مناطق نفوذ: الاتحاد السوفيتي، الولايات المتّحدة، فرنسا وبريطانيا.

كان يفترض أن تؤسّس تلك المناطق دولاً تقضي على الوحدة الألمانية وأخطارها. غير أنّ اندلاع الحرب في كوريا (1950 – 1953) غيّر المشهد الدولي وأطلق العنان للحرب الباردة، وهو ما أنقذ ألمانيا من قدر التفتيت والانقسام بين معسكرَي الغرب والشرق، ثمّ توحّدت داخل المعسكر الغربي عام 1990.

المدرسة الدّيغوليّة للتّفتيت

تستخدم إسرائيل منطق التفتيت الجيوسياسي وفق المدرسة الديغولية بنسخها المشوّهة الخبيثة. كان لها شأن في ذلك خلال الحرب الأهلية اللبنانية. ولطالما اشتُبه بأنّ لها أدواراً داعمةً للحركات الكردية في كلّ المنطقة. ولم تخفِ قلقها على أحلام الأقليّات في شمال إفريقيا. ولئن تظهر وقاحة هذه المدرسة في الواجهات السياسية العلنيّة الإسرائيلية بعدما كانت همهمات داخل أروقة أجهزة المخابرات، فذلك أنّها تستفيد من “لحظة إسرائيلية” نادرة وفّرتها “تسونامي” التضامن الدولي المفرط الذي حظيت به إثر عمليّة “طوفان الأقصى”. باتت تنعم مذّاك بضوء أخضر يسمح لها باستباحة “تغيير الشرق الأوسط”، وفق تصريحات رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.

والحال هذه تعيش سوريا ودروزها ودروز المنطقة أيّاماً تاريخية تستبطن صراعاً بين حكايتهم التاريخية وحكاية جديدة تريد إسرائيل أن ترويها عنهم. فهي تتبرّع بالدفاع عن دروز سوريا وتتطوّع لإطلاق رسائلها النارية مستندة إلى واقع تجربة الدروز في إسرائيل بصفته نموذجاً عابراً للحدود تصحّ ظروفه القاهرة على أيّ ظروف تريدها قاهرة في سوريا. وفيما تُظهر بعض الواجهات الدرزية في سوريا (ولبنان) تماهياً مع الخطاب الإسرائيلي وأدواته، غير أنّ الخطاب الدرزي الجامع يكرّر التمسّك بالجذور السوريّة ورفض مشاريع الانفصال والاستقلال التي رُفضت في بداية التشكّل السياسي الحديث لسوريا.

لا خوف على دروز سوريا. ولا أحد يستطيع إعطاءهم دروساً في الوطنيّة. غير أنّ التصاق الناس بأوطانها لا تكفيه قواعد أخلاقية، ولعلاقة الناس بدولتهم شروط ومعايير تتطلّب حكمة الدولة والقدرة على استيعاب تعدّد الأمزجة والهواجس المتباينة بين جماعة وأخرى. وما حصل في جرمانا وأشرفية صحنايا وغيرهما “فتنة” كان من السهل تجنّبها حتّى لو بدت مدبّرة مبرمجة لإطلاق أحقاد طائفية واضح أنّ لها أسباباً من إرث نظام بائد.

يعمل وليد جنبلاط في لبنان، بحكم ما يملكه من مونة على دروز المنطقة، على تثبيت مبادئ سياسية تهدف بالدرجة الأولى إلى الدفاع عن دروز سوريا وصون تاريخهم السوري العريق. قاد الرجل منذ عقود لدى دروز المنطقة حملات معقّدة لدحض الرواية الإسرائيلية عن الدروز والدعوة إلى رفض تجنيدهم داخل الجيش الإسرائيلي.

اختار، في عزّ خلافه مع نظام حافظ الأسد الذي اغتال والده، أن لا يخضع الدروز لخيار إسرائيلي. وبدا في حراكه من لبنان ضدّ الشيخ موفّق طريف في إسرائيل مستجيباً لرأي عامّ غالب لدى دروز سوريا يستهجن الخطاب الإسرائيلي الزاحف على الطائفة، والذي يجد جهات مصغية له في داخلها.

المسؤوليّة على الدّولة

يبقى أنّ المسؤولية الأولى والأخيرة تقع على الدولة لأنّها الدولة. بدا أحياناً أنّ التعامل مع المكوّنات يجري إمّا بارتكاب تجاوزات من قبل “جماعات خارجة عن القانون” وإمّا عبر تبويس اللحى واسترضاء الغاضبين. والواضح أنّ تجارب “الساحل” وجرمانا وربّما مناطق أخرى تفرض تحديثاً للفلسفة التي عملت بها الدولة الجديدة في التعامل مع السوريين. فإذا كان رفض الاعتراف بالتعدّد وفروقاته واعتباره رجساً لا يصحّ في دولة العدل والقانون، فإنّ “الشعوب والقبائل” هي سنّة الخلق ووجب أن “يتعارفوا”. وإذا ما تعذّر ذلك حتّى الآن، فإنّ “اللحظة الإسرائيلية” جاهزة  للانقضاض على أحلام سوريا والسوريّين جميعاً.

محمد قواص -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا