معركة دورس البلدية: هل تتكرر الخديعة... أم صراع سياسي مموّه؟
تشهد بلدة دورس البقاعية واحدة من أسخن المعارك الانتخابية البلدية في قضاء بعلبك، فهي لا تشبه غيرها لا في تركيبتها الطائفية، ولا في تشابك حساباتها السياسية، فالبلدة التي تضم خليطاً من المسيحيين والشيعة والسنة، تعيش اليوم على وقع معركة طاحنة، تتقاطع عندها خطوط الطوائف والأحزاب والتوازنات المحلية في رقعة صغيرة، تحاول جاهدة أن تصون عيشها المشترك.
تتألف بلدية دورس من خمسة عشر عضواً: 7 مسيحيين، 5 شيعة، و3 سُنة، وبحسب التوازنات المحلية درج العرف أن تكون رئاسة البلدية من حصة المسيحيين، تناوب عليها طوال مراحل سابقة عمداء متقاعدون من الأسلاك العسكرية، وصمد العرف إلى اليوم دون المساس بالتركيبة التي تحفظ حقوق الجميع، وإن كان البعض يهمس بين الفينة والأخرى، أن الهوى السياسي للمسيحيين لا بد من تحجيمه عبر المجلس البلدي، وإن وصل الأمر لكسر الأعراف والتقاليد المتبعة بتولي الطائفة المسيحية الرئاسة، فالتركيبة التي لا يحميها الدستور وينص عليها صراحة، تحكمها الغلبة العددية والطائفية، غير أن المكوّن السني في البلدة يشكل ركناً أساسياً في الحفاظ على التوازنات القائمة وضمان العيش المشترك.
تحتدم المعركة الانتخابية في دورس وتأخذُ طابعاً سياساً إضافةً إلى طابعها العائلي والإنمائي، وتعمل القوى والأحزاب كلٌّ على قدر شعبيته وامتداده على جذب الجمهور، ونسج التحالفات بما يحفظ هرمية المجلس الحالي. وإن كان ما شهده المجلس البلدي في دورس على مرّ السنوات الماضية من تجاذبات وخلافات، وصولاً إلى الحديث عن سمسرات وشبهات فساد وصلت اصداؤها إلى مسامع أروقة المحافظة عبر تقديم شكاوى، وتبقى أزمة العام 2019 عند انتهاء الفترة الأولى من ولاية المجلس، والانتقال إلى المرحلة الثانية عبر تسلم شخصية مسيحية ثانية الولاية المتبقية، الندبة التي لم تشف منها البلدة والحاضنة المسيحية الأكبر، بعد الانقلاب الذي حصل على الاتفاق المبرم بين "حزب الله" والعميد المتقاعد عبدو نجيم.
وفي عودةٍ للواقعة، وجرياً على العادة التي تقوم على تولي عائلة نجيم رئاسة المجلس البلدي، وجلّ من تولى الرئاسة كان عميداً متقاعداً من أحد الأسلاك العسكرية، ولأن الصراع كان ينتقل إلى البيت الواحد في كثيرٍ من الأوقات، تم التوافق عام 2016 على تقاسم الولاية بين العميدين نزيه نجيم وعبدو نجيم، ضمن اتفاق مكتوب وموقع من ممثلي "حزب الله" والعميدين، ومع انتهاء ولاية العميد نزيه عام 2019، واطمئنان العميد عبدو لسير الاتفاق، انقلب ممثلو "حزب الله" في المجلس البلدي على الاتفاق فانتخب عضو مسيحي آخر للرئاسة، كذلك لم يسر "الحزب" في الاتفاق على نيابة الرئاسة للشخصية السنية المتفق معها، وأسندها إلى شخص آخر. تلك الحادثة كانت عملية انقلابية أراد "حزب الله" من خلالها إيصال الرسالة إلى من يعنيهم الأمر أن القرار يمسك به متى أراد.
على مضضٍ، أكملت البلدية وحلفاء العميد عبدو الولاية، من دون أن تخلو من الصراعات، وصولاً إلى الانتخابات الحالية التي يقوم فيها الأخير بتشكيل لائحة باتت مكتملة مع حلفاء شيعة وسنة بمواجهة لائحة "حزب الله" وحلفائه من المسيحيين والسنة الذين يصنّف أغلبهم ضمن فئة "سرايا المقاومة". ما يميّز انتخابات بلدة دورس هو وجود لائحتين فقط، لكلّ منهما مشروع يعمل على جذب الناخبين من خلاله، وفيما كانت عائلة نجيم قد أجمعت على اختيار العميد عبدو لرئاسة البلدية، تمظهر شخص آخر من العائلة نفسها خلال الأسابيع الأخيرة ليكون الشخص الذي يخوض "حزب الله" المعركة باسمه، فاللائحة لا بد لها من رئيس مسيحي يتولاها، وهو أمر أثار الاستغراب لكون رئيس البلدية الحالي الذي حلّ مكان العميد عبدو عام 2019 تبناه "الحزب" ليكون رئيساً هذه الدورة ليعود وينقلب عليه.
تضم لائحة نجيم أسماء من الطائفة المسيحية يقيم أغلبهم في بلدة دورس، وقد تمت تسميتهم من قبل عائلاتهم، ليكونوا على مقربةٍ من هموم الناس وحاجات البلدة، إضافة إلى تشكيل حالة التفافية عليه كون ما تعرض له يصب في خانة الانقلاب على الميثاق والعيش المشترك الذي تتميز به البلدة، وقد باتت اللائحة على مقربةٍ من إعلانها، يحصل فيها المسلمون على نيابة الرئيس مناصفةً بين السنة والشيعة. وفيما يتهم البعض اللائحة بأنها مزيج من "القوات اللبنانية"و"المستقبل"، يصرّ نجيم وحلفاؤه لا سيما عائلة غرلي على وضعها ضمن إطار الصراع العائلي والإنمائي، فـ"القوات" لا تتدخل، و"المستقبل" يجلس على شرفة المقاطعة.
عيسى يحيى -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|