نيّال من له مرقد خارج الضاحية؟
توالت المعلومات في الأيام الأخيرة التي تشير إلى حركة نزوح سكانية ولو بصمت من الضاحية الجنوبية لبيروت. وأتت الغارة الإسرائيلية الأخيرة على أحد أحياء الضاحية لتطلق المخاوف من أن تكون الغارة مقدّمة لمرحلة تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل 27 تشرين الثاني الماضي، حيث بدأ تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار بعد حرب أدت إلى تغيير هائل في بنية "حزب الله" وفي مقدّمه اغتيال أمينه العام السيد حسن نصرالله.
ماذا تعني هذه المعلومات عن هذا النزوح الجديد وبخاصة في أوساط تمثل البيئة الحاضنة لـ"الحزب"؟
يبدأ الجواب من احتدام المشهد العام في المنطقة من لبنان إلى سائر الأقطار في الإقليم. وأخذت التطورات بعداً لافتاً مع توطين جنرال أميركي لكي يدير أعمال اللجنة الخماسية المكلّفة متابعة تطبيق وقف إطلاق النار.
تمنّى "حزب الله" لو كانت اللجنة الخماسية على شاكلة اللجنة التي انبثقت ممّا سمّي "تفاهم نيسان 1996". فقد منح ذلك التفاهم، الذي ساعد على ولادته بصورة ملموسة الرئيس رفيق الحريري الذي كان وقتذاك رئيساً للحكومة، دوراً لـ"الحزب" في مواصلة العمل المسلح في الجنوب. لكن الرياح التي أدت إلى ولادة اتفاق تشرين الثاني الماضي جرت عكس ما اشتهته سفن، ليس "حزب الله" فحسب، وإنما كل محور الممانعة الذي تتزعمه ايران. ويحمل الاتفاق في طياته بذوراً تصلح لتربة كامل الجغرافيا التي كانت المدى الحيوي للنفوذ الإيراني الخارجي منذ انتصار ثورة الامام الخميني عام 1979 ولغاية اليوم.
يصارع "حزب الله" راهناً بكل ما أوتي كي لا تجرفه رياح الاحداث التي لا يبدو انها إلى خمود بل إلى اشتداد بما يحوّلها إلى إعصار قد لا يبقي لـ"الحزب" قدرة تسمح له بالقليل الذي ما زال بحوزته بعد البلاء الأكبر الذي حل به بدءاً بـ17 أيلول الماضي عندما انفجرت دفعة واحدة آلاف أجهزة المناداة (البيجرز) بأيدي كوادره وصولاً بعد 10 أيام إلى مصرع أمينه العام التاريخي حسن نصرالله.
يستفاد من موقف أدلى به أمس الأمين العام الحالي لـ"الحزب" الشيخ نعيم قاسم في حديث صحفي انه يستشعر الاعصار المحتمل في المنطقة. فهو قال ردّاً عن سؤال عمّا إذا كانت المراجعة والتقويم اللذان يجريهما "حزب الله"، بعد معركتَي "أولي البأس" وإسناد غزة، ستلحظان سياسات "الحزب" وإجراءاته على كل صعيد لمرحلة ما قبل الحرب وما بعدها، أجاب الشيخ قاسم: "لا يمكن أن نستمر على الوتيرة التي كنا عليها في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والثقافية كلها، فيجب أن يكون التقويم شاملًا للمرحلة السابقة، لنبني عليه خطوات المرحلة الجديدة".
بدوره، قال نائب رئيس المجلس السياسي لـ"حزب الله" الوزير السابق محمود قماطي، أمس: "ما زال المشروع هو نفسه، مشروع القضاء على المقاومة وعلى العزة والكرامة، والقضاء على قدرات الأمة على مستوى المنطقة قائماً برعاية أميركية وقرار أميركي، وتنفيذ إسرائيلي، واستسلام عربي، وغطاء أوروبي". لكنّه قال في المقابل: "قوّتنا باقية، سلاحنا باق لن نتنازل عنه مهما فعلوا، مهما ضغطوا، مهما ضربوا...".
وتحدث أحد المقالات في إعلام تابع لـ"الحزب" قبل أيام عن "اجتياح بري كبير" تنفذه إسرائيل ينطلق من الشريط الفاصل بين الحدود الشرقية للبنان مع مناطق القنيطرة والريف الغربي لدمشق، كي يصل إلى مناطق البقاع الغربي وراشيا وحاصبيا، فيما تقوم القوات الإسرائيلية الموجودة على حدود منطقة العرقوب بالدخول إلى لبنان، بالتزامن مع حملة جوية جديدة"، وفق ما ورد في المقال.
يستفاد من هذه التوقعات المناخ السائد وليس المعطيات القابلة للمناقشة. وتنفتح النافذة الآن للاطلالة على أحوال محور الممانعة في هذه الفترة. فقد نشر موقع "العهد" الالكتروني الاخباري التابع لـ"حزب الله" قبل أيام تقريراً حمل عنوان "ماذا يستفيد العراق من تفاهم أميركا وإيران"؟ وجاء في مستهله: "في حلقة نقاشية ضمت عدداً من أصحاب الرأي والساسة العراقيين، طرحت جملة رؤى وتصوّرات حول أثر وتأثير مخرجات المفاوضات الجارية حالياً بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأميركية بشأن البرنامج النووي الإيراني على العراق". وجاء في التقرير: "ومن بين أبرز ما طرح في الحلقة النقاشية:
-التوصل إلى تفاهمات جادة وواقعية بين واشنطن وطهران، لا بد أن يكون له انعكاسات إيجابية على مجمل المشهد الإقليمي العام، باعتبار أن كل الملفات الإقليمية متداخلة مع بعضها، وطهران تكاد تكون طرفاً في أغلبها، إن لم يكن جميعها، في الوقت الذي كانت واشنطن، وما زالت، حاضرة ومؤثرة بأشكال وصور ومظاهر مختلفة.
-كان العراق على امتداد العقدين الأخيرين المنصرمين، أحد أبرز بؤر التفاعلات الإقليمية الكبيرة، بسبب طبيعة الظروف والأوضاع التي عاشها، بدءاً من الإطاحة بنظام صدام، ومروراً بخضوعه للاحتلال الأميركي، وظهور التنظيمات والجماعات الإرهابية التكفيرية فيه، كالقاعدة وداعش، وغير ذلك، لذا فإنه من الطبيعي جداً أن يتأثر، سلباً أو إيجاباً، بمسارات واتجاهات ومآلات الصراع بين الفرقاء الإقليميين والدوليين، لا سيما الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن يصطف ويتحالف معها من جهة، والولايات المتحدة الأميركية ومن ينضوي تحت رايتها ويسير وراءها، من جهة أخرى.
-التفاهم والاتفاق الإيراني الأميركي، ولو بالحدود الدنيا، يمكن أن يسهم في نزع فتيل قدر كبير من التوترات، وبالتالي، يساعد العراق في تعزيز آفاق الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي، والهدوء الأمني. إذ إن تجارب العقدين المنصرمين، أكدت بما لا يقبل الشك، أن عموم المشاكل والأزمات والخلافات بين واشنطن وطهران ألقت بظلالها الثقيلة على العراق، لأن القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة بين العراق وإيران واسعة ومتشعبة جداً، فضلاً عن أن علاقاته مع أميركا، مع ما تنطوي عليه من سلبيات وإشكالات، تبقى واقع حال، لا يمكن القفز عليه أو تجاهله وإهماله.
-بحكم مسيرة العلاقات الإيجابية المتميزة بين العراق وإيران بعد الإطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، ومواقف طهران الداعمة للعملية السياسية العراقية، ومساعدة العراقيين في التغلب على الكثير من المشاكل والتحديات، من البديهي أن تنعكس أي انفراجات في الأوضاع الاقتصادية والسياسية لإيران، بالإيجاب على العراق، والعكس صحيح، وهذا ما جعل الأخير يعمل من خلال مؤسساته الرسمية الحكومية وقواه وشخصياته وزعاماته السياسية على ردم الهوة بين إيران وخصومها الإقليميين والدوليين، ومن بينهم الولايات المتحدة الأميركية".
يؤدي بنا ما سبق إلى بيت القصيد في لبنان، وإلى طرح السؤال الأبرز: كيف سيتعامل "حزب الله" مع استحقاق التخلي نهائياً عن مشروعه المسلح الذي صار هو محور كل ما يجري على كل المستويات؟
يعيدنا هذا السؤال إلى ما ورد في بداية هذا المقال. واتى الجواب الذي لا يحتاج إلى جدل عبر البيئة الحاضنة لـ"حزب الله" والتي يفتش أفرادها بصمت عن ملاذ يبعدهم عن الضاحية الجنوبية لبيروت كي يتفادوا اختباراً مماثلاً عانوا فيه الأهوال إبّان الحرب الإسرائيلية الأخيرة. ولا يطمئن هذه البيئة إلى ما هو آت حديث الأمين العام لـ"الحزب" عن مراجعة يجريها للتجربة المريرة. او ان تكتفي بالإنصات إلى نائب رئيس المجلس السياسي لـ"حزب الله" يقول إن مشروع القضاء على "الحزب" ما زال قائماً، ولا تفعل شيئاً.
يقول المثل: "الباب الذي يأتيك منه ريح سدّه واستريح". فهل نسمع قريباً مثلاً آخر يتعلق بالبيئة الحاضنة لـ"الحزب": "نيال من له مرقد خارج الضاحية"؟ نرجو ان لا نسمع هذا المثل، وأن لا نسمع أيضاً الملاحم التي يطلقها ما تبقى من قادة "الحزب".
أحمد عياش -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|