الصحافة

من وقع في الفخ… الدروز أم الشرع؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لا شك في أن ما يحصل بين الدروز والادارة الجديدة في سوريا برئاسة أحمد الشرع، طغى على كل الأحداث الاقليمية في اليومين الفائتين نظراً إلى الاشتباكات التي حصلت بين الجانبين في جرمانا وأشرفية صحنايا، وخصوصاً أنها إتّسمت بالعنف والدماء.

لكن المسألة تتجاوز التصادم الآني، إلى ما هو أهم أي مستقبل سوريا والمخططات التي تُرسم لها ربما في عواصم القرار، إلا أن الثابت الوحيد والواضح الطارئ على هذه الأزمة هو العنصر الاسرائيلي الطامع والطامح إلى أن يكون لاعباً أساسياً في سوريا، إلى جانب العنصر التركي الذي يرعى السلطة الجديدة الاسلاميّة السنيّة، إضافة إلى العنصر السعودي الخليجي الذي تقدّم خطوات مهمة في علاقته مع السلطة الجديدة التي يمثّلها الشرع.

أما الأخطر من بين الدول الطامحة فهو اسرائيل التي تستغل علاقتها ببعض الدروز، لتبرر تدخلها عسكرياً في سوريا متذرعة بحمايتهم من الحكم المتطرّف وفق مزاعمها. والأحداث الأخيرة في جرمانا وأشرفية صحنايا تؤكّد هذا الأمر، بحيث استغلّت بعض الخلافات والتباينات والشروط المتبادلة بين الشرع والدروز لتحرّض هؤلاء على الاحتكام إلى السلاح، وبالتالي وقعت قوات الأمن التابعة للشرع في الفخ واستدرجت إلى معركة لا تريدها أصلاً، بل يفضّل الرئيس السوري الجديد الاتفاق السياسي بدلاً من الاحتكام إلى العنف.

لا بد من التذكير بأن الدروز في سوريا يشكّلون ما نسبته 3 في المئة من السكّان قبل الحرب، علماً أن عدد السوريين كان 23 مليون نسمة، من بينهم 700 ألف درزي، يتركزون في محافظة السويداء الجنوبية مع جيوب أصغر حول دمشق.

أما الدروز في مرتفعات الجولان التي احتلتها اسرائيل فعددهم لا يقل عن 150 ألف درزي، يحمل معظمهم الجنسية الاسرائيلية ويخدم في الجيش. إلا أن للدروز امتداداً استراتيجياً إلى لبنان الذي يعيش فيه زهاء 200 ألف درزي، أكثريتهم توالي الزعيم وليد جنبلاط.

لم يتدخّل دروز سوريا في الحرب الأهلية التي اندلعت بين فصائل سنيّة ثائرة من جهة ونظام بشار الأسد و”حزب الله” وبعض الفصائل الشيعية من جهة أخرى، بل ركّزوا على الدفاع عن معقلهم من الهجمات، وتجنبوا إلى حد كبير التجنيد الاجباري في القوات المسلحة السورية. إلا أن محافظة السويداء شهدت بعض الاحتجاجات المناهضة للحكومة قبل إطاحة الأسد.

سعى الحكم الجديد برئاسة الشرع مراراً وتكراراً إلى طمأنة الأقليات بحمايتها، ومن بينها الدروز. أما اللافت فهو محاولات تقرّب اسرائيل من الدروز منذ إطاحة الأسد، معربة عن دعمها للأقلية وعدم ثقتها بقادة سوريا الجدد، الذين تعتبر قواتهم جهادية ارهابية! وقامت الحكومة الاسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو بإرسال آلاف المساعدات الإنسانية إلى الدروز في سوريا في الأشهر الأخيرة. في المقابل، زار وفدان من رجال الدين الدروز أماكن مقدسة في إسرائيل في الفترة الأخيرة، على الرغم من حالة الحرب المستمرة بين البلدين بعد نصف قرن من هدنة العام 1974.

في الشهر الفائت، حذّرت إسرائيل السلطات السورية الجديدة من استهداف الدروز، وذلك بعد اشتباكات في إحدى ضواحي دمشق. لكن زعماء الدروز رفضوا هذا التحذير وأعلنوا ولاءهم لسوريا موحدة. والمفارقة أن الجيش الاسرائيلي خلال الاشتباكات أول من أمس، نفّذ عملية تحذيرية زاعماً ضرب تنظيم متطرف كان يستعد لمهاجمة الدروز قرب دمشق، لكن لم يُعرف ما إذا كانت الغارة قد استهدفت قوات الأمن السورية أو فصائل متطرفة كما زعمت اسرائيل!

لا بد من الاعتراف بأن قضية الدروز هي أخطر ما يُهدّد حكم الشرع اليوم، وتشير مصادر درزية سياسية في لبنان معنية بالاشتباكات الأخيرة في سوريا، الى أن جنبلاط، حذّر الدروز السوريين من النفوذ الأجنبي، وحثّهم على “مقاومة التوجهات الاسرائيلية وحماية تراثهم”. وبينما يرفض بعض الدروز السوريين فكرة أن يكون جنبلاط متحدثاً باسمه، يقف قسم كبير منهم وراء الزعيم اللبناني، مؤيداً الجهود الديبلوماسية والتفاوضية لحل المشكلات مع الادارة السورية الجديدة بدلاً من مواجهة قاتلة محتملة بدأت تطلّ برأسها بين الطرفين. وقد أجرى جنبلاط محادثات مباشرة مع الشرع في زيارة قام بها سابقاً، وأبدى استعداده للقيام بمبادرة أخرى، وخصوصاً أن جنبلاط لمس مرونة من الشرع للمحافظة على بعض الخصوصية للدروز كالإتفاق مع قادة دروز بارزين في السويداء، لدمج مجموعات درزية، مثل رجال الكرامة، في أطر شرطة محلية تابعة لوزارة الداخلية، بهدف الحفاظ على الاستقرار مع احترام استقلال الدروز. وقد أظهر التنسيق بين “هيئة تحرير الشام” والجماعات المسلحة الدرزية خلال انتفاضة كانون الأول 2024 التطور المبكر للعلاقات والثقة بين الدروز وكبار قادة حكومة الإنقاذ السابقة. لكن المصادر الدرزية تؤكّد أن ما حصل أول من أمس، أظهر عدم ثقة بين الجانبين، وباتت هناك تساؤلات من الشرع عما إذا كان الدروز ملتزمين بسوريا موحّدة، أم أنهم ينتظرون الوقت لتقييم مسار الادارة السورية الجديدة، وخصوصاً أن الشيخ حكمت الهاجري وزعيم إحدى الجماعات المسلحة في السويداء شكيب عزام، قد صرّحا سابقاً بأن الدروز لن يسلّموا سلاحهم حتى تُنشئ الدولة الجديدة مؤسسات رسمية تُمثّل جميع الأقليات وتحميها.

ما يطمح إليه الشرع هو التوصّل مع الدروز إلى اتفاق مماثل للإتفاق الذي أجراه مع “قوات سوريا الديموقراطية”، وتلفت المصادر الدرزية اللبنانية إلى أن الدروز في سوريا منقسمون بين من يريد الإلتحاق بالدولة السورية ومن يُطالب بالاستقلال، مشيرة إلى أن أبرز نقاط الخلاف بين الشرع والدروز تتمحور حول اعتماد قاعدة معيّنة كأساس للتشريع، وغياب الفيدرالية، وعدم ضمان تمثيل الأقليات. وقد رفض قائد العمليات الدرزية في السويداء، بهاء الجمل، هذه البنود، معتبراً إياها “غير مقبولة” من الطائفة الدرزية في سوريا. وفي حين قال الشيخ حكمت الهاجري إنها تمثل “نظاماً استبدادياً، يمنح صلاحيات مطلقة لشخص واحد، ويؤسس بالتالي لسلطة ديكتاتورية جديدة”، ودعا إلى إصدار إعلان دستوري جديد يعكس “دولة ديموقراطية موحدة قائمة على مبدأ فصل السلطات واستقلالها، وصلاحيات إدارية محلية أوسع للمحافظات السورية”، انتقد الادارة أيضاً على خلفية أعمال العنف على الساحل. ويبدو أن وضع المجتمع الدرزي في ما يتعلق بالادارة السورية لا يزال يتقلب بناء على حكم الشرع، فيما تسعى إسرائيل إلى استغلال هذه الانقسامات وملء الفراغ من خلال محاولة متزايدة لتنمية العلاقات مع القادة الدروز والمجموعات الرئيسية في المنطقة، وتقديم نفسها كحامية لهم وربما حتى دولة بديلة!

يُراهن الدروز اللبنانيون وفي طليعتهم جنبلاط، وفق المصادر الدرزية، على زعماء الدروز الحكماء في سوريا، مثل الشيخ سليمان عبد الباقي، والشيخ ليث البلعوس، والشيخ مؤنس أبو هالة، وكرم منذر، الذين أبدوا رفضهم للتدخلات الاسرائيلية. حتى أن الشيخ الهاجري الذي وجّه الانتقادات اللاذعة إلى الادارة السورية الجديدة، صرّح سابقاً بأن الغزو الاسرائيلي أمر مقلق، وهو يرفضه.

وتكشف المصادر الدرزية المطّلعة أن الأهداف الاسرائيلية في سوريا تتجاوز مسألة الحيثيّة الدرزيّة إلى: أولاً، إنشاء منطقة عازلة أعمق، مع التركيز على درعا والقنيطرة والسويداء، لتحرسها مجموعات درزية مسلحة حليفة، بهدف ردع أي وجود معادٍ هناك، ولتكون عقبة أمام أي محاولات سورية مستقبلية محتملة لاستعادة الأراضي السورية السابقة. ثانياً، ترسيخ السيطرة على مناطق في جنوب سوريا، ما يعزز المواقع العسكرية الاسرائيلية على جبل الشيخ، ويوفر لها عمقاً استراتيجياً أكبر على “حزب الله” في سهل البقاع، على الحدود السورية اللبنانية، ويسمح بأنظمة رادار بعيدة المدى.

لن يطول الوقت قبل أن يعي الدروز في سوريا خطورة ما تفعله اسرائيل هناك، وسيتّجهون إلى معارضة شديدة لأي انحياز مُتصوّر لها. وقد أُدينت علناً حالات تُظهر انحيازاً الى إسرائيل، مثل رفع العلم الاسرائيلي أو الزيارة المثيرة للجدل إلى قرية حضر في الأراضي الخاضعة للسيطرة الاسرائيلية في 14 آذار 2025. حتى أن الشيخ موفق طريف، الزعيم الدرزي المقيم في إسرائيل، سلّط الضوء على الطابع الديني المحض لزيارة حضر، التي واجهت بدورها معارضة كبيرة داخل الطائفة. ولا تزال شخصيات درزية بارزة تُعارض الطموحات الانفصالية والعلاقات مع إسرائيل، وترفض أي مواجهة مع الادارة السورية الجديدة. ونتيجة ذلك، يقف الدروز في جنوب سوريا عند مفترق طرق حرج، يتأرجحون بين طموحات إسرائيل الاستراتيجية ونهج الحكم الجديد للرئيس الشرع. وفي نهاية المطاف، سيعتمد اصطفاف الدروز على استجابة دمشق لمطالبهم بالأمن والحكم الذاتي والحكم العلماني. وربما يلعب جنبلاط دوراً مهماً في تقريب وجهات النظر بين دروز سوريا والشرع بحيث يُقدّم الأخير تنازلات أكبر للدروز وغيرهم من الطوائف، وإشراكهم مباشرة في عملية صنع القرار، وإلا ستستغل إسرائيل أي انقسامات متزايدة!

جورج حايك-لبنان الكبير

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا