الصحافة

ما لم تتبدّل إيران لن يتبدّل "الحزب" في لبنان

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لو لم يتبدّل العالم العربي والسني لما تبدّل سنة لبنان بمزاجهم الشعبي العام، وهذا التبدُّل مرده إلى عدم وجود لا عبد الناصر ولا أبو عمار ولا أحلام بوحدة عربية ولا أهداف بمشاريع أمة إسلامية تُسقط الحدود والدساتير، وبالتالي، البركان السني الذي تفجّر على دفعات على أثر سقوط السلطنة العثمانية ونشوء الدول والكيانات، دخل في مرحلة سكون واقتناع بأن لا أولوية تعلو على صيانة الأوطان وتحقيق الاستقرار وتوفير رفاهية الإنسان.

وقبل الانتقال إلى مقاربة وضع "حزب الله"، لا يجوز، للأمانة التاريخية، القفز فوق وقائع من الخطيئة تجاوزها وهي أنه على رغم التعاطف لا بل الاندماج العقلي والعاطفيّ للسنة في لبنان مع المشاريع القومية التي تحاكي وجدانهم، نجحت الشراكة المسيحية معهم، ومع الطوائف الأخرى طبعاً، في بناء وطن حديث يتفوّق بحداثته على دول المنطقة كلها، وعلى رغم الخلاف في الرؤى حول دور لبنان، نجحت هذه الشراكة في بناء دولة الاستقلال، وفي تجاوز أحداث العام 1958، والاتفاق على "وثيقة الوفاق الوطني" لإنهاء الحرب، والتقاطع في انتفاضة الاستقلال على شعاريّ "لبنان أولاً" و"الدولة أولاً".
فسويسرا الشرق التي تعطى كمثل عن صورة لبنان في خمسينات وستينات القرن الماضي، لم تكن صناعة مسيحية، إنما صناعة وطنية، لأنه لولا الشراكة المسيحية - الإسلامية لما كان وجد هذا النموذج، والدليل أن الحرب أسقطته، وهذا يعني أنه مجهود مشترك، إذ لا يمكن لطائفة أن تصنع من لبنان نموذجاً من دون تعاون الطوائف الأخرى، والدليل الآخر "حزب الله" الذي كان أقصى الطموح معه الوصول إلى استقرار، الأمر الذي لم يحصل وبقي لبنان في ظل دولة فاشلة.
فالانتماء السني إلى المحيط بنى دولة فعلية في لبنان، ولكن الانتماء الشيعي إلى المحيط لم يبنِ دولة، والأصح وضع كل العراقيل للحؤول دون الوصول إلى دولة فعلية، والمقصود بالشيعة "حزب الله" طبعاً بفعل سيطرته على القرار الشيعي، والسؤال لماذا نجحت التجربة اللبنانية مع السنة وفشلت مع شيعة إيران؟ السبب مرده لكون العقل السني بتكوينه عقلاً دولتياً، فيما العقل الشيعي الخارج من رحم الثورة الإيرانية بتكوينه ضد مفهوم الدولة.

ولكن تجربة "حزب الله" التي أخرجت الشيعة، الذين يمثلهم، من لبنان والدولة، لا تَختصر بطبيعة الحال تاريخ الشيعة في لبنان وتحديداً منذ الاستقلال ودورهم في الدفاع عن الكيان وصيانته كإطار منحهم حرية لم تُمنح لهم في الأوطان العربية الأخرى، إلا أن الحرب، وتسلل الحرس الثوري والسطوة العسكرية والمال الإيراني، كلها عوامل ساهمت في وضع اليد على القرار الشيعي في سياق مشروع إقليمي كانت كلفته على هذه الطائفة باهظة وكارثية.

يستحيل عودة الشيعة الذين يمثّلهم "حزب الله" إلى لبنان والدولة قبل أن تعود إيران إلى داخل إيران، فالسنة، وبعيداً عن التعميم، ارتبطت عودتهم إلى لبنان بانتهاء المشاريع العربية والإسلامية الإقليمية، وبالتالي، فإن  انتهاء المشروع المسلّح لـ "الحزب"، والذي أصبح مسألة حتمية، لا يعني إطلاقاً عودته إلى لبنان والدولة، لأن ارتباطه العقائدي والديني والسياسي متصل عضوياً بإيران، وفي اللحظة التي تقرِّر فيها طهران إعادة نشر ثورتها التخريبية،  سيكون "الحزب" أول المنخرطين في هذا المشروع.  وما يجدر تأكيده في هذا الإطار أن تراجع القيادة الإيرانية اليوم إلى داخل حدودها بسبب تدمير أذرعها وعدم قدرتها على مواجهة العاصفة الأميركية، لا يعني تخليها عن مشروعها التوسعي المرتبط بعلة وجودها، إذ يصعب تصوّر إيران دولة طبيعية كسائر الدول.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل عدم تخلي إيران عن مشروعها التوسعي والتخريبي، ولو انكفأت اضطرارياً، يعني ان "حزب الله" سيتمكّن من استعادة دوره في دولة احتكرت السلاح وبسطت سلطتها على جميع الأراضي اللبنانية؟

الإجابة كلا، لأن دخول الحرس الإيراني إلى لبنان وتأسيس فرعه في هذا البلد كان بسبب الحرب واستغلال إيران لهذه الحرب من أجل تكوين هذا الفرع، ومع انتفاء الحرب والفوضى لن يتمكّن "حزب الله" من إعادة تسليح وتنظيم نفسه عسكريا، وبالتالي لن يعود مهماً التزامه بمشروع مرجعيته التوسعي طالما أنه سيكون عاجزاً عن ترجمته على أرض الواقع.

وفي المقابل، لن يكون من السهل على إيران القفز فوق الوقائع الدولية والإقليمية والسياسية والجغرافية، خصوصاً أن دورها الخارجي أصبح محظوراً بقرار أميركي وإسرائيلي، وهذا الحظر يحظى بغطاء عربي كون التخريب الإيراني طال ويطال الدول العربية، وبالتالي لا يكفي أن تكون لديها النية بالتوسُّع ما لم يكن لديها الوسائل لتحقيق هذا التوسُّع، والوسائل أعدمت نهائياً ولن تقوم قيامتها بعد الآن.

شارل جبور - "نداء الوطن"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا