تجمُّع نقباء المهن الصحيَّة استنكر الاعتداء على أحد الأطباء وسكرتيرته
الذكاء الاصطناعي يدخل صفوف المدارس في لبنان... فمن يحمي حقوق الطلاب؟
كتب جبران الخوري الخبير في إدارة الاتصالات في النهار:
بالإشارة الى مقالتنا السابقة تحت عنوان "نحو استراتجية وطنية لتعليم الذكاء الاصطناعي في المدارس اللبنانية"، وبعد التزايد الملحوظ في عدد المدارس التي تتعاقد مع شركات خاصة لإدخال الذكاء الاصطناعي ضمن مناهجها لمختلف الصفوف مقابل تكلفة سنوية تتراوح بين 20 و35 دولار اميركي على التلميذ الواحد، وكون معظم المدارس في لبنان ليست مجهّزة لإجراء تدقيق تقني معمّق للتأكد من أن المنصات والبرامج جيدة، وغير منحازة، وملتزمة بالأخلاق والعدالة، لا بد من التشديد أن مسألة إدخال الذكاء الاصطناعي إلى قطاع التعليم في لبنان ليست خياراً إدارياً بسيطاً ولا قراراً تقنياً معزولاً، بل هي ورشة وطنية متشابكة تتحمل فيها المدرسة ووزارة التربية ووزارة الدولة للذكاء الاصطناعي مسؤوليات متكاملة.
فالمدرسة هي خط الدفاع الأول عن طلابها، ووزارة التربية هي المرجع التربوي الذي يضع المعايير والضوابط، فيما وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي تتحمل الدور التنظيمي والرقابي والتشريعي لتأمين بيئة عادلة وأخلاقية لاستخدام هذه التقنيات.
على مستوى المدرسة، لا يكفي أن تنبهر الإدارة بالوعود التسويقية للشركات التي تعرض منصات وخدمات تعليمية تعتمد الذكاء الاصطناعي. على العكس، تقع عليها مسؤولية جوهرية في طرح الأسئلة الصعبة عن نوع البيانات التي ستُجمع عن الطلاب، وكيفية ومكان تخزين هذه البيانات، وهل يتم تشفيرها وضمان سريتها أم يمكن أن تُستغل في أغراض تجارية أو تسويقية لاحقاً، وهل الخوارزميات مدرّبة على بيانات متنوعة تعكس واقع المجتمع اللبناني بكل تنوعه المناطقي والاجتماعي والطائفي ضمن الوحدة الوطنية، أم أنها مستوردة كما هي من بيئات أخرى قد لا تراعي الخصوصيات المحلية.
كما على المدرسة أن تطلب تقارير مكتوبة من الشركات المورّدة تشرح فيها كيفية عمل النظام، وأن تمنح لنفسها فترة اختبار محدودة Pilot قبل أي تعميم شامل، حتى تتمكن من قياس الأثر العملي على أداء الطلاب وردود فعل المعلمين والأهالي.
كذلك، يجب أن ينخرط المعلمون أنفسهم في عملية المراقبة اليومية لتبيان مدى ظهور نتائج غير متوازنة بين الطلاب، واذا كان هنالك فئة معينة تقيّم بشكل أفضل أو أسوأ لأسباب غير موضوعية. هذه المتابعة الميدانية هي الضمانة الأولى لكشف الانحياز مبكراً.
أما وزارة التربية، فهي لا تستطيع أن تبقى على هامش هذه العملية، إذ أن إدخال الذكاء الاصطناعي في التعليم هو تحول استراتيجي يمس العدالة التربوية على المستوى الوطني.
من واجب الوزارة أن تضع معايير ملزمة لكل الشركات التي تقدم خدماتها للمدارس، وأن تفرض على هذه الشركات تقديم مستندات رسمية تشرح خوارزمياتها بطريقة مبسطة وشفافة. كما يجب أن تتبنى الوزارة سياسة وطنية واضحة تحدد أهداف استخدام الذكاء الاصطناعي في التعليم، هل الهدف منه هو دعم عملية التدريس أم إدارة البيانات المدرسية، أم تحسين طرق التقييم والمتابعة؟ وضوح الهدف يمنع التضارب والفوضى ويحول دون أن تتحول التقنية إلى مجرد أداة دعائية.
كذلك، على الوزارة أن توفر منصات مراجعة مستقلة، ربما من خلال التعاون مع الجامعات أو المراكز البحثية اللبنانية، للتدقيق في الأنظمة المقترحة وتقييم مدى التزامها بالعدالة وحماية البيانات. ولا بد للوزارة أيضاً أن تحدد آلية اعتراض متاحة للأهالي والمعلمين في حال ظهور خلل أو ظلم في نتائج الأنظمة.
أما وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي، فدورها محوري على مستوى التشريع والحوكمة. فهي الجهة المخوّلة وضع قواعد أخلاقية وطنية لاستخدام الخوارزميات في التعليم، وتحديث هذه القواعد بشكل دوري بما يتماشى مع التطور العالمي.
من مسؤولية وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي ايضا، أن تفرض التزاماً بالقانون اللبناني لحماية البيانات الشخصية، القانون 81/2018، وأن تستلهم من المعايير الدولية مثل اللائحة الأوروبية لحماية البيانات GDPR لضمان أعلى مستوى من الحماية. كما يقع على عاتقها إنشاء آلية تدقيق وطنية دورية، تسمح لخبراء مستقلين من الداخل والخارج بمراجعة عمل المنصات المعتمدة في المدارس اللبنانية.
كما لا يقتصر دور وزارة الدولة للذكاء الاصطناعي على الرقابة، بل يتعداه إلى بناء القدرات الوطنية عبر تنظيم برامج تدريبية للمعلمين ومديري المدارس حول كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول، وعبر تشجيع تطوير منصات محلية تراعي خصوصية البيئة اللبنانية وتنافس المنتجات الأجنبية. كما أن الوزارة مطالبة بإنشاء سجل وطني للأنظمة الذكية المعتمدة في التعليم، بحيث تكون كل منصة مستخدمة في أي مدرسة لبنانية مسجلة وموصوفة بشكل واضح، بما يمنع إدخال أنظمة مجهولة أو غير معتمدة.
ولكي تتحقق هذه الرؤية على أرض الواقع، لا بد من اعتماد مجموعة خطوات عملية مشتركة. تبدأ هذه الخطوات بتنويع مصادر البيانات المستخدمة في تدريب الخوارزميات بحيث تشمل مدارس رسمية وخاصة، ومناطق في المدن وفي الريف، وبيئات اجتماعية مختلفة، وذلك لتفادي الانحياز البنيوي. وتشمل أيضاً مراجعة دقيقة لجودة البيانات المستخدمة، واعتماد اختبارات إحصائية متكررة لقياس مدى العدالة في النتائج بين مجموعات الطلاب المختلفة من حيث المناطق أو الطوائف أو الخلفيات الاجتماعية.
كذلك يجب أن تُعلن بوضوح المعايير التي تقيسها الخوارزميات، بحيث لا تبقى غامضة أو مستترة، وأن يُتاح للأهالي والطلاب والمعلمين فهم الأسس التي بنيت عليها التقييمات مع حق الاعتراض عليها إذا شعروا بالظلم. ومن المهم كذلك أن تطلب المدارس والشركات على حد سواء مراجعات خارجية مستقلة من قبل خبراء تربويين وتقنيين، وأن يلتزم الجميع بالتحديث المستمر للأنظمة لتفادي تراكم الأخطاء أو الانحيازات بمرور الوقت.
هكذا يتضح أن ضمان حياد وأخلاقية الذكاء الاصطناعي في التعليم ليس مهمة تقنية بحتة ولا مجرد قرار إداري، بل هو إطار متكامل يشمل المدرسة ومعلميها، ووزارة التربية بصفتها المرجع الوطني في السياسات التربوية، ووزارة الدولة للذكاء الاصطناعي كحارس للشفافية والمساءلة. عندها فقط يمكن للذكاء الاصطناعي أن يتحول إلى قيمة مضافة حقيقية تعزز جودة التعليم في لبنان.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|