نتائج القمة العربية الإسلامية في قطر: خطاب حاد من دون انياب
انعقدت القمة العربية الإسلامية الأخيرة في قطر وسط تصاعد غير مسبوق في التوترات الإقليمية، وعلى وقع النية الإسرائيلية في القضاء على غزة، والأوضاع المأساوية الإنسانية والسياسية التي تجاوزت حدود فلسطين إلى عمق العالمين العربي والإسلامي. القمة، التي جاءت في توقيت حرج، كان يُنتظر منها موقف حاسم وفعّال يترجم حجم الغضب الشعبي ويعكس التحديات التي تواجهها المنطقة، إلا أن البيان الختامي ومجمل المخرجات لم ترقَ إلى سقف التوقعات، بل أكدت مرة جديدة هشاشة الموقف العربي الجماعي أمام الهيمنة الأميركية والدعم الغربي المفتوح لإسرائيل.
العبارة الوحيدة اللافتة كانت الدعوة إلى "إعادة النظر" في العلاقات مع إسرائيل ولكنها في إطار المواقف السياسية التقليدية التي تفتقر إلى الأدوات العملية أو حتى الجرأة السياسية الكافية للضغط الفعلي على تل أبيب أو على حلفائها الدوليين. والغريب هو غياب أي اتفاق على خطوات اقتصادية أو دبلوماسية ضاغطة، مثل تعليق الاتفاقات الثنائية، أو التهديد باستخدام سلاح الطاقة، أو حتى سحب السفراء. وهذا يطرح تساؤلات جوهرية حول قدرة العرب، مجتمعين أو منفردين، على الدفاع عن مصالحهم، ناهيك عن الدفاع عن أنفسهم.
حتى مضمون الكلمة التي القاها الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون، لم تكن فعّالة، خصوصاً وانه هو نفسه يعلم ان إسرائيل لن تتجاوب مع مبادرة السلام العربية التي اقرت عام 2002، وما تلويحه بالقيام بما يلزم اذا لم يكن جوابها ايجابياً على هذه المبادرة، سوى من باب "حفظ ماء الوجه"، وبالأخص في هذا الوضع بالذات الذي تطلق فيه اميركا يد إسرائيل في كل انحاء الشرق الأوسط من دون ان تقلق من أي تداعيات قد تظهر جراء هذه الممارسات والاعتداءات والعدوانية غير المسبوقة.
الاعتداء على قطر رغم أنها تُعتبر واحدة من أقرب حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، يعكس مرة أخرى التحيز الاميركي لإسرائيل، فواشنطن لا تكتفي بمنع تكافؤ الميزان العسكري مع إسرائيل، بل تمنع ايضاً تكافؤ الميزان الدبلوماسي والسياسي والأمني مع تل ابيب، وهذا ما تجلى برد الفعل "الهزيل" من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والخلاصة التي صدرت في النهاية هي ضمانة بعدم تعرض إسرائيل لقطر مرة أخرى! وكأن قطر كانت تتعرض كل يوم لاعتداء إسرائيلي... وهذا يعني عملياً العودة الى ما كان عليه الوضع سابقاً، أي ان الضربة مرّت من دون عقاب او تداعيات، وطويت الصفحة.
هل هناك من رسالة خلف هذا الامر؟ واذا كانت قطر التي تتغنى بقربها من اميركا، قد طالتها اليد الإسرائيلية، فلماذا تتعب دول أخرى على غرار لبنان وسوريا واليمن والعراق وحتى الفلسطينيين في المطالبة بضمانات وحماية أميركية من الجنون الإسرائيلي؟ وإذا كانت الدول التي تتمتع بحماية أميركية لا يمكنها منع الاعتداءات الإسرائيلية على أراضيها، فما هو الموقف العربي بشكل عام إذا تطور الموقف نحو صراع عسكري أوسع؟ وهل الاستراتيجية الأميركية-الإسرائيلية تهدف بالفعل الى القضاء على حركات المقاومة ام انها تعمل على تعزيزها وابقائها حية من خلال هذه الممارسات؟.
البيان الختامي للقمة لم يذكر صراحةً اتفاقات أبراهام، لكنه ألمح إلى "إعادة تقييم" العلاقات مع إسرائيل. هنا يبرز السؤال الأهم: هل هذه مجرد لغة دبلوماسية تُستخدم لامتصاص الغضب الشعبي، أم أنها مؤشر على نية حقيقية لدى بعض الدول للانسحاب من قطار التطبيع؟ حتى الآن، لا توجد مؤشرات جدية على أن الدول التي وقّعت هذه الاتفاقات –مثل الإمارات والبحرين والمغرب– تنوي التراجع عنها. بل على العكس، لا تزال هناك دول عربية أخرى تدرس خطوات مماثلة، بدوافع اقتصادية وأمنية، وليس تضامنية أو أخلاقية.
اتت القمة العربية الإسلامية في قطر كصورة مصغرة عن القمم العربية وعن الجمعيات العامة للأمم المتحدة، لناحية العجز و"البكاء على الاطلال"، أي بمعنى آخر: خطاب حاد من دون أنياب. فطالما بقي الرد العربي محصوراً في دائرة الإدانات والتوصيات غير الملزمة، فإن إسرائيل ستبقى مطلقة اليد، مدعومة بحلفاء لا يترددون في استخدام نفوذهم، بينما العرب، وعلى رأسهم حلفاء واشنطن، يكتفون بالمواقف الرمزية في مواجهة واقع يتطلب أفعالاً لا أقوالاً.
طوني خوري-النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|