محليات

لبنان بين الأمن الوطني والدفاع: معضلة السلاح والشرعية

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تعود إلى الواجهة مجدداً مسألة استراتيجية الأمن الوطني في لبنان، على وقع تطورات داخلية وخارجية متسارعة، وفي ظلّ انقسام واضح في مقاربة هذه الاستراتيجية بين المكوّنات السياسية، وفي مقدمتها حزب الله من جهة، والحكومة اللبنانية وبعض مكوناتها من جهة أخرى. هذا الانقسام لا يعكس فقط خلافًا في الرؤية، بل يُعبّر عن تباين بنيوي في مقاربة الدولة لمسألة السيادة، والسلاح، والقرار الأمني.
في هذا السياق، يشدد الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم على أنّ الحديث عن استراتيجية دفاعية لا يعني مطلقاً نزع سلاح المقاومة، بل يدعو إلى مقاربة متكاملة تشمل الأبعاد العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية، في سياق ما وصفه بسياسة دفاعية متكاملة. ويرى الحزب أن السلاح لا يُطرح للتفاوض أو التنازل، بل يُطرح دوره في سياق تكاملي مع الجيش، بحيث يُبحث في كيفية استفادة لبنان من المقاومة وسلاحها ضمن تصور عام لقوة لبنان. كما يرفض الحزب أي ابتزاز سياسي يربط بين إعادة الإعمار والاستراتيجية الدفاعية، في إشارة ضمنية إلى ضغوط دولية أو داخلية تستهدف موقعه العسكري في المعادلة الوطنية.

في المقابل، يوضح رئيس الحكومة نواف سلام أن ما تطرحه حكومته لا يُصنَّف على أنه "استراتيجية دفاعية" بالمعنى الضيق، بل هو تصور أشمل بعنوان "استراتيجية الأمن الوطني"، تتضمن جوانب أمنية، اقتصادية، اجتماعية، وسياسية. والأهم من ذلك، هو التأكيد أن القرارات الأمنية السيادية تُتخذ حصراً داخل المؤسسات الدستورية، وليس عبر "حوارات جانبية"، في رسالة واضحة إلى أن أي نقاش حول السلاح أو دور المقاومة يجب أن يتم في إطار دستوري واضح، لا في تفاهمات سياسية ثنائية أو فئوية.

هذا الطرح يعكس مسعى الحكومة إلى إعادة الاعتبار للدولة كمصدر وحيد للشرعية الأمنية والعسكرية، في وقت تطرح فيه أسئلة جدّية حول من يملك قرار الحرب والسلم، ومن يحدد مصلحة لبنان العليا.

تكشف هذه التصريحات، بحسب مصادر سياسية، عن فجوة جوهرية في الرؤية والمفاهيم. فحزب الله يُصرّ على شرعية سلاحه كجزء من قوة لبنان الدفاعية، ويشترط أن تكون أي استراتيجية مرهونة بالتكامل مع المقاومة، لا بإلغائها أو تحجيمها، في حين أن الحكومة تسعى إلى وضع السلاح تحت مظلة الدولة عبر استراتيجية وطنية شاملة تضع القرار الأمني في يد المؤسسات الدستورية حصراً، وتفصل بين السلاح الشرعي وغير الشرعي.

في هذا السياق، يرى العميد منذر الأيوبي أن الاستراتيجية الدفاعية واستراتيجية الأمن الوطني تُعدّان من الركائز الجوهرية لحماية الدولة وضمان استقرارها، ورغم اختلافهما في النطاق والأهداف، إلا أنّهما متكاملتان بشكل وثيق. فالاستراتيجية الدفاعية تركز على ردع التهديدات العسكرية المباشرة عبر تطوير القدرات القتالية والتخطيط العملياتي، فيما تمتد استراتيجية الأمن الوطني لتشمل أبعادا أوسع وتشمل العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعلوماتية، مع تركيز على حماية المجتمع والبنى التحتية وتعزيز الاستقرار الداخلي والخارجي.

وتتمثل الفروق الجوهرية بينهما، بحسب الأيوبي، في أنّ الدفاعية محدودة بالبعد العسكري، بينما الأمن الوطني إطار شامل يعالج مختلف العوامل المؤثرة في بقاء الدولة واستمرارية مصالحها. ومع ذلك، يشدد الأيوبي على أن التكامل بينهما أمر أساسي، إذ تصبح الاستراتيجية الدفاعية أكثر فاعلية عند إدماجها في رؤية وطنية شاملة، رغم ما تواجهه من تحديات كضيق الموارد، والانقسامات الداخلية، والاعتماد على الخارج.

كما يشير إلى أن دمج الدفاع العسكري في إطار الأمن الوطني يشكل نهجًا استباقيًا يمكّن الدولة من مواجهة التهديدات بمرونة وثبات، ويحفظ مصالحها الحيوية واستقرارها الشامل.

إذن تكمن المعضلة اللبنانية في غياب الإجماع الوطني على تعريف الأمن، وتوزيع الأدوار ضمنه. فبينما تسعى الدولة إلى فرض رؤيتها من خلال المؤسسات، يتمسّك حزب الله بـ"شرعية المقاومة"، ويرفض أن يكون سلاحه عرضة للتفاوض أو للمساومة.وفي ظل هذا الانقسام، تبقى الاستراتيجيات، سواء الدفاعية أو الوطنية، رهينة التجاذبات السياسية والطائفية، ما يضعف قدرة الدولة على التماسك أمام الأزمات، ويبقي لبنان في دائرة التهديدات المفتوحة، الداخلية والخارجية على حد سواء.
 
هتاف دهام - خاص لبنان24

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا