الحكومة اللبنانية تُخْضِع سلاح «حزب الله» لـ... «الإقامة الجبرية»
بعدما قالت الحكومةُ اللبنانيةُ كلمتَها في ما خصّ الحفاظ على دينامية حَصْر السلاح بيد الدولة ورفْض أي انحسارٍ لهذا المسار، بقيتْ بيروت تحت تأثيرِ ارتجاجاتِ جلسة الإقرار «الناعم» لخطة الجيش التنفيذية لقرارِ تفكيك ترسانة «حزب الله»، في الداخل حيث ترتسم تباعاً اهتزازاتٌ سياسيةٌ مع «كواتم صوت»، وفي الخارج حيث راوحتْ الأصداء بين إيجابية و... غير سلبية.
ولم يكن عابراً أمس على وقع الحِراك المكثّف الدولي - العربي في اتجاه لبنان أن ترتسم ملامح موجتين في الداخل بإزاء إرساء إطارٍ تنفيذي لسحب سلاح «حزب الله» مع جدولٍ زمني كأنه وُضع بـ «حبر سري» سيتكشّف تباعاً خصوصاً بعد أو مع قرب انتهاء المرحلة الأولى المتمثلة بجعل جنوب الليطاني منطقة منزوعة السلاح بالكامل قبل 31 ديسمبر.
الموجة الأولى محورُها رئيسُ البرلمان نبيه بري، شريك «حزب الله» في الثنائية الشيعية، الذي زار أمس رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون معرباً من قصر بعبدا عن ارتياحٍ لِما آلتْ إليه جلسة الحكومة (الجمعة) فـ «ببركات ستنا مريم كل شي منيح»، قبل أن يَستقبل قائد الجيش العماد رودولف هيكل الذي قال رداً على سؤال عما إذا كان مرتاحاً للأوضاع «دائماً».
وسبقتْ محطةُ بري في القصر الجمهوري مواقف أطلقها في حديث صحافي إذ أعلن أنه «مرتاح لخلاصة بيان الحكومة (يوم الجمعة) حيث تم تجنيب البلد فتنة كبيرة»، مؤكداً «لا نمانع مناقشة سلاح حزب الله على أن يَسبقه أولاً كيفية تفادي الأخطار الإسرائيلية في الجنوب لأنها لم توقف عدوانها ولم تلتزم بوقف النار. وهذا ما قلناه للموفد الأميركي توم براك».
وتمّ التعاطي مع حركة رئيس البرلمان، الذي كان «عرّابَ» الصيغةِ «التلطيفيةِ» لإقرار خطةِ الجيش التنفيذية لقرار حَصْرِ السلاح (الذي اتُخذ في 5 أغسطس) على شكل «ترحيبٍ» بها ومع جَدْولةٍ زمنية معلنَة لجنوب الليطاني و«مستترة» للمراحل الأربعة اللاحقة، على أنها تعبيرٌ عن تَمايُزٍ عن «حزب الله»، أكثر منها توزيع أدوار، في ضوء معلوماتٍ عن رسائل من الحزب برسْم بري بوجوب تضييق هوامش «الاجتهاد».
والموجة الثانية هي مزيجٌ من التشدُّد والارتيابِ اللذين يعبّر عنهما «حزب الله» بالفم الملآن أو على طريقة «في فمي ماء» من انتقال ملف حصر السلاح إلى مربّع التطبيق، وإن مع مراعاةٍ شكلية لاعتراضه على «أصل» قرار 5 أغسطس «المشين والخطيئة والمؤامرة»، كما يصفه، خصوصاً أن بين سطور ما صَدَرَ عن جلسة الجمعة ما يشي بأنّ ترسانة الحزب «الملاحَقة» جنوب الليطاني، صارت خارجَه في ما يشبه «الإقامة الجبرية» التي فَرَضَتْها الحكومةُ عليه عبر إقرار منْع أي انتقال للسلاح والعمل على «احتوائه».
وحرص «حزب الله» أمس على رسم إطار متعدّد البُعد لموقفه من ملف السلاح، خلاصته التمسك بوجوب أن تتراجع الحكومةُ بالكامل عن قرار 5 أغسطس باعتباره كما قال رئيس كتلته النيابية محمد رعد «خطيئة مشينة بحق المقاومة» رغم إعلانه أن ما صدر عن جلسة 5 سبتمبر «تراجع شكلي تكتيكي»، مع إصرار على رَفْضِ تسليم السلاح ورهن بدء أي بحث في إستراتيجية الأمن الوطني بأن يَسبقها وقف الاعتداءات الاسرائيلية والانسحاب من النقاط المحتلة جنوباً وإطلاق الأسرى وإعادة الإعمار.
والأكثر إثارة للاهتمام كان بلورة «حزب الله»، بلسان النائب حسين الحاج حسن مفهوماً قديماً جديداً للحوار بتأكيده أنّ «النقاش في موضوع السلاح لا يكون إلا ضمن إستراتيجية دفاع وطنية يشارك فيها الجميع، وحين يتم إقناعنا بوجود إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، عندها لكل حادث حديث»، وهو ما اعتبره خصوم الحزب تكراراً لتجارب سابقة مع الحزب الذي يشترط لأي خلاصات نهائية حول سحب ترسانته – وليس حول احتفاظه بها - أن تكون محلّ إجماع، أي أن يوافق عليها، مع اعتماده منطق «الحوار إلى ما شاء الله حتى نُقْنِع الآخرين بوجهة نظرنا وليس العكس».
وبدت مقاربة رعد قمةً في التشدد، إذ أكد «أن أصل اتخاذ الحكومة قراراً في 5 أغسطس بحصر السلاح، واعتبار أن كل سلاح خارج الدولة غير شرعي، هو أمر مناقض للميثاق والوفاق واتفاق الطائف والتوازن الوطني والواقع السيادي»، معتبراً أن سلاح المقاومة «شرعي أكثر من شرعية الحكومة».
وأضاف: «تصرّفنا بكل تعقّل وحكمة وحرص على السلم الأهلي وعلى التفاهم الداخلي، وعلى الحوار الذي (كان) حصل في جو هادئ من أجل وضْع إستراتيجية أمن وطني ودفاع وطني تحفظ سيادة لبنان وتحدد دور سلاح المقاومة كما تحدد دور سـلاح الجيش».
وفي الوقت الذي تستعد بيروت في الساعات المقبلة لاستقبال الموفد السعودي الأمير يزيد بن فرحان والموفد الفرنسي جان - أيف لودريان، أكد رئيس الوزراء نواف سلام أمام رئيس البرلمان العربي محمد اليماحي، «أنّ الحكومة ماضية في تنفيذ قراراتها لجهة حصرية السلاح بيد الدولة على كامل الأراضي اللبنانية»، مشدداً على «أنّ لبنان، وبعدما عاد إلى موقعه الطبيعي بين أشقائه العرب، يحتاج إلى تعزيز دعم الجيش اللبناني باعتباره الركيزة الأساسية لحماية الوطن»، ولافتاً في الوقت نفسه إلى«ضرورة الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها والانسحاب من الأراضي اللبنانية التي لاتزال تحتلّها».
سفير للإمارات
ويأتي الحِراك الدولي - العربي المتجدد تجاه لبنان، الذي تَلقّى بإيجابية الكشف عن تعيين دولة الإمارات العربية المتحدة فهد سالم سعيد دين الكعبي سفيراً لها لدى بيروت، غداة زيارة الموفدة الأميركيّة مورغان أورتاغوس وقائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي الأميرال براد كوبر، في محطةٍ بدت مرتبطة بما بعد إقرار الحكومة خطة الجيش التطبيقية لقرار حصر السلاح بدءاً من«إكمال المهمة»في جنوب الليطاني، وأيضاً بتفعيل عمل لجنة الإشراف على تطبيق اتفاق وقف النار (27 نوفمبر) في الناقورة بعد توقفها عن الاجتماع لأسابيع.
ويشكّل إحياء عمل «الميكانيزم»، بحسب أوساط مطلعة، تحدياً أمام السلطات اللبنانية باعتبار أن ذلك سيعني معاودة تفعيل دورها كـ «صندوق شكاوى» أو «وشايات» إسرائيلية على مخازن "حزب الله" ومواقعه أكثر من أي شيء آخر، فإما يتولى الجيش اللبناني التصدي لهذه«المخاطر»وفق تصنيف تل أبيب، وإما تتولى الأمر بيدها انطلاقاً من «حرية الحركة» التي تعتبر أنها تتمتع بها بموجب «الملحق» الذي تفاهمت عليه مع واشنطن لاتفاق 27 نوفمبر.
غارات إسرائيلية
ولم تتأخّر إسرائيل في رَسْمِ خط فاصل جليّ بين مرحلةِ جنوب الليطاني التي سيَعمل الجيش اللبناني على استكمال تطهيرها من أي سلاح غير شرعي، وسط استعجال دولي لذلك وسعي لتعزيز قدرات الجيش على إنجاز مهمته في أسرع وقت، وبين«اليد الطولى»التي تتمتع بها في مختلف المناطق اللبنانية، حيث هاجمتْ أمس مواقع لـ«حزب الله»في منطقة البقاع التي سبق أن أعطتْ إشارات إلى أنها تَعتبرها أولوية توازي جنوب الليطاني - حيث مصدر الخطر الميداني المباشر اي تكرار سيناريو 7 أكتوبر - على قاعدة أنها «خزان» الأسلحة الإستراتيجية للحزب أي الصواريخ البعيدة المدى.
وفي حين أعلن لبنان عن سقوط 5 ضحايا و5 جرحى في الغارات الـ 7 التي استهدفت إسرائيل فيها جرود السلسلة الغربية لجبال لبنان في الهرمل، قبل أن يشن طيرانها غارة على جرد اللبوة، كتب الناطق العسكري أفيخاي أدرعي على منصة «اكس»، أن الغارات طاولت «أهدافاً لحزب الله في البقاع بينها معسكرات لقوة الرضوان والتي رُصد في داخلها عناصر من الحزب وتم استخدامها لتخزين وسائل قتالية».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|